Atwasat

اجتياز الصراط في برقة

محمد حمامة الأربعاء 01 يناير 2020, 03:07 مساء
محمد حمامة

مراقبة الطرق والمواصلات من أقدم وربما أكبر إدارات وزارة المواصلات إبان النظام الملكي، وظلت كذلك إلى أن نقلت بعض اختصاصاتها إلى قسم المرور في بداية السبعينات. أسست هذه المصلحة الإدارة العسكرية البريطانية في برقة بعد الاحتلال الأخير العام 1942 وفقاً للمعايير البريطانية والأحرف الثلاثة هي الأحرف الأولى من ثلاثة كلمات إنجليزية هي Control of Roads & Transport، وتعني مراقبة الطرق والمواصلات، وضمت عديد الأسماء مثل عبد القادر الثلي والرفاعي زيبي وإبرهيم الشين وفرج الجبالي وإبرهيم النيهوم رحمهم الله جميعاً ولا تزال كلمة «سي آر تي» تطلق على القسم الذي انسلخ من المواصلات إلى المرور حتى هذه الساعة، وأطلق حتى على الحي الذي يقع فيه مبنى هذه الإدارة.

ضمت مراقبة الطرق والمواصلات قسمين مهمين لهما علاقة وثيقة بالمواطن، وهما »قسم الفحص» وهو المعني بفحص السيارات فنياً قبل الترخيص أو تجديد الترخيص لها، وقسم «رخص القيادة»، وهو المعني باختبار ومنح وتجديد رخص قيادة السيارات.

ضم القسم الفني مجموعة من الفنيين الأكفاء من بينهم المرحوم علي قدورة والمرحوم علي زوبي، ولقد كانا رحمهما الله دقيقين جداً فيما يخص المستندات والوثائق التي تخص السيارة التي يقومان بفحصها.
عرفت «قسم الرخص» عندما أصبح من حقي قانوناً أن أتقدم للحصول على «رخصة تعليم» وهو ترخيص موقت كان يمنح للمتدربين على قيادة السيارات على شكل نموذج تلصق به صورة المتدرب يختم ويوقع من المراقبة وتحدد مدته بستة أشهر تسمح للمتدرب أن يقود سيارة شريطة أن يجلس بجانبه شخص يحمل رخصة قيادة دائمة سارية المفعول، وكان على المتدرب أن يعلق على السيارة من أمامها ومن خلفها لوحة عليها حرف «ت» بالعربي وحرف «L» بالإنجليزي وأعتقد أن هذا الأسلوب لايزال يطبق في بريطانيا وعرف هذا النموذج في طرابلس بـ «الفوليا روسا» أو «النموذج الأحمر» نسبة إلى لون النموذج، لم يكن أحد يهتم بأخذ شخص يحمل رخصة يجلس بجانبه لكن الحصول على هذه الرخصة الموقتة كان مخرجاً قانونياً من جريمة قيادة السيارة دون رخصة وتخفيف الجريمة إلى مخالفة بسيطة بقيادة السيارة دون مرافقة مدرب أو شخص يحمل رخصة.

كانت هناك لجنتان للامتحان في قسم الرخص في الستينات، لجنة ترأسها المرحوم محمد ساطي، ولجنة ترأسها المرحوم موسى سويكر، وسرت معلومة أن من يجتاز امتحان لجنة «ساطي» فكأنما اجتاز الصراط، كان الاختبار أو الامتحان يتألف من ثلاث مراحل، إشارات المرور، وكانت الأسئلة يلقيها فرد عن المرور وكان عددها بسيطاً، ثم ازدادت بعد مدة حتى أصبحت كما هي الآن بعد تأسيس النادي الليبي للسيارات وشروعه في إصدار رخص القيادة الدولية ثم «الدورة» وهي قيادة السيارة في شوارع المدينة ثم عقدة الجميع وهي قيادة السيارة إلى الخلف مسافة والانعطاف في زاوية قائمة وسط مجموعة من الأعمدة الخشبية دون أن تلمسها أو توقع هذه الأعمدة أو تتوقف وتصلح من وضع السيارة، وكان ما يزيد من إرباك السائق الجديد هو المتفرجون ممن ينتظرون دورهم في الامتحان وتعليقاتهم.
عرف المرحوم محمد ساطي ببعض الحركات التي يقوم أثناء قيادة السيارة خلال الجولة في المدينة كأن يطلب من السائق الاجتياز في موقع لا يجوز فيه الاجتياز كقوله «أسرع.. اجتز لأن هناك غيرك ينتظر»، أو أن يسحب المكابح اليدوية عند توقفك مثلاً وقبل الانطلاق من جديد.

لقد أوقعني حظي عند تقدمي للامتحان في أواخر الستينات وقبل سقوط النظام الملكي في لجنة المرحوم محمد ساطي.

تبدأ جولة المدينة بجلوس المرحوم ساطي، رئيس اللجنة بجوار السائق ويطلب منه الانطلاق من ساحة الجراج الحكومي وعادة ما يتضمن ذلك الوقوف في شارع فرعي قبل الولوج إلى شارع عمرو بن العاص ومنه إلى ميدان الشجرة، في شارع عمرو بن العاص وعند مبنى مطبعة السيد عبد الله عابد التي أصبحت فيما بعد عمارة الحلال، كان هناك موقف لخط الحافلة القادمة من «الفندق» باتجاه ميدان عمرو طوسون والصحيح أنه على السائق الوقوف خلف الحافلة حتى تنطلق وعدم اجتيازها، ولقد أسعدني الحظ فلقد مررت بشارع عمرو بن العاص ولم تكن هناك حافلة وفي هذا المكان كان المرحوم «ساطي» يستخدم إحدى حيله كأن يطلب من السائق اجتياز الحافلة، ولكن كانت أمامي عربة «حنطور» يجرها حصان. لم تكن هناك جسور وطرق سريعة في المدينة ولم تكن هناك أعداد كبيرة من السيارات لكن كان هناك بوليس مرور صارم لا يتهاون في مخالفة قانون السير، ولقد كانت خبرة أولئك الرجال في التقاط الأشخاص الذين يقودون سياراتهم دون تراخيص أو بأوراق منتهية الصلاحية مضرب الأمثال، فمبجرد مرورك من أمام أحدهم يدرك فوراً أن أمراً ما غير قانوني موجود في وثائق السيارة أو السائق، كان الحصول على رخصة قيادة يمثل لأبناء جيلي الكثير فهي لا تعني فقط اجتيازك للامتحان ولكن تعني انتقالك إلى مرحلة الرجولة والبلوغ.