Atwasat

تُجار ازدهار الخراب!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 17 ديسمبر 2019, 12:18 مساء
أحمد الفيتوري

إن البلدان التي ليس لها أي شأن جيوسياسي، تصبح ألاعيب جيوسياسية. انظر إلى أفغانستان، بلاد فقيرة ولكن يتنازعها أعظم القوى في العالم. هذه مأساتنا، كما كانت مأساة لبنان، فجأة وجد نفسه وسط حرب جيوسياسية عالمية.
الكاتب والمخرج الأفغاني: عتيق رحيمي.

•الغاية تبرر الكارثة!
(إن تعريفي لكلمة "كارثة"، قد اتسع لكي يتضمن، شركات ترسخ أزمة ما وتُحصنها، ثم تسعى إلى ترويج نفسها، باعتبارها الوحيدة التي لديها، الحل لهذه الأزمة) - رأسمالية الكوارث- كيف تجني الحكومات، والشركات العالمية، أرباحا طائلة، من ويلات الحروب ومصائب البشرية – أنتوني لوينشتاين – ترجمة أحمد عبد الحميد – عالم المعرفة العدد 478 – نوفمبر 2019م.

تذكرت حين شرعت في قراءة هذا الكتاب، حكاية أني، كنت في طائرة عائدا إلى ليبيا، ومن اللحظة الأولى لركوبنا الطائرة، جالسٌ بجانبي، مُحاولا باستماتة، أن يتعرف عليّ، وقدم نفسه أنه (تاجر خردة دولي)، ثم شرع في توضيح مهمته المسافر لأجلها، فور أن عَرفتُ نفسي بأنني ليبي وصحفي، قال أنه يسافر لأي بلد مصاب بكارثة ما، فقد كان في هايتي عقب إعصار ضربها!، ساعة علم أن القذافي زعيم ليبيا، انقلب على نفسه، إثر الكارثة الاقتصادية التي اجتاحت البلاد، عقب تطبيق الفصل الثاني من الكتاب الأخضر / الاشتراكي، وأن الزعيم ينحدر بقوة لخصخصة الدولة، ببيع أصول القطاع العام، ما أمست خردة، ماكينات المصانع وشركات الخدمة العامة، وبعد أن وكد أن هذا من دواعي سروره، قال أنه يأمل مساعدتي بأن أمنحه مفتاحا، شخصية مؤثرة، تهتم مثله في ليبيا بالخردة....

لم أعلق، في محاورة مع نفسي، رأيت فيه أحد المسؤولين، عن ازدهار الخراب في ليبيا، وبلدان على شاكلتها، خضعت لعمليات تجريبية، من زعماء لا يُتقنون شيئا غير الخراب.

وتوكدت أن الآيدولوجيات/ تزييف الفكر، غطاء سمج للفساد والمفسدين في الأرض، كما الدين لبوس للتمويه، تحول رجل داعية إلى رجل أعمال، وأن الهدف الظاهر/الخفي في آن، الاستحواذ على (مغارة على بابا)، وأن (افتح يا سمسم) في (ألف ليلة وليلة)، ماهي إلا التأويل السيكولوجي لأسطورة (البنك الدولي)، المحفز الأول لازدهار الخراب. وأن ذا التأويل يستنبطه، بُحاث رسمأليون، منهم من كان المسئول في (البنك الدولي)، ثم المستشار في إدارة (بيل كلنتون).

الوقائع تُبين أن (القذافي) مثلا، بدواعي االمساواة الاجتماعية، قد أمم حتى ما دعاهُ التاجر الفرد (البقال)، ثم بعد أن فلح في ازدهار الخراب، قلب ظهرالمجن، فباع كل شيء، وحصاد كارثة التخريب هذا، جاء مع العقد الثامن من القرن المنصرم، ما ختامهُ مسك!، الانهيار الرأسمالي الدولي الأشهر 1987م.

• الكوارث تبرر الوسائل
رأسمالية الكوارث، التي يدرُسها الكتاب المشار إليه أعلاه، المحفز الأول والقوي، لصناعة الكوارث، ما نتائجُها جني أرباح مالية ضخمة، والكوارث الطبيعية أيضا تتحول لصناعية، نتيجة الإهمال والفساد والخبرات المعطوبة، فزعماء ازدهار الخراب، كما مغنطيس، يلتقطون التكنوقراط الهزيل، من لا يفقه شيئا في مهنته، لهذا يحولون الفشول إلى كوارث، وفي هذا هم تكنوقراط مميز وفالح.

صناعة التدمير صناعة محلية ناجحة، ورأسمالية الكوارث، على أهبة الاستعداد للاستثمار في هذه الصناعة، لهذا فالحروب الصغيرة، ما شررها تحت المراقبة، مجال استثمار ثمين، وعليه يتم الحرص على استمرارها، وهذا المجال يوفر للطغمة المحلية، ما لا يتوفر في غيرها، فالحرب، كما الحصار الجائر، لا منطق لها من جهة، ومن أخرى قادرة، بفاعلية لا نظير لها، على خلق كوارث جانبية، تصل حد التأثير في الطبيعة والمناخ، حيث تساهم في الجفاف عبر انتشار التصحر، جرف التربة الصالحة، الزراعة والصناعة الجائرة، هذا نتيجة أنها توفر للفوضى كل سبيل، استفحال الإيديز في مستشفيات الأطفال، والآيبولا وانفلونزا الطيور، وما لم يُحصَ بعد، في علم إحصاء الكوارث البشرية.

ثم إن رأسمالية الكوارث صانعة مجدة، لمثل: التحارب الأهلي، الإرهاب المتحكم فيه، انتشار الفساد، وما على شاكلة ذلك، وتمثل (سويسرا)، أفضل بنك دولي لتبييض عُملة هذه الجريمة النظيفة!، فهذا البلد مُجد في حياده حتى النخاع، وفي حالة تعسر عليه عملية التبييض الدولية، يتم خلق بدائل في جزر البهاما مثلا....

توظف هذه الرأسمالية، تحالفات مع (الباحثين عن الذهب)، لهذا فإن المنظمات الإقليمية والدولية تعج بالفاسدين، من يعملون على استمرار واستمراء التحارب الأهلي، ومجمل الكوارث، كما حصل في لبنان ويوغسلافيا والصومال، ثم الجزائر وكوسوفو وروندا، وفي سوريا وليبيا، وطبعا أفغانستان والعراق، وفي هكذا حال يتدفق رجال ثم نساء تلكم المنظمات، لأجل إنقاذ هاتيك البلدان من غيها، بالمساعدة والمحافظة، على عدم تدهور الحال إلى أسوأ، لكن في نفس الوقت الحرص الشديد، بكل السبل على بقائه واستمراره، عند درجة حرارة مرضية، تنهك الجسد لكن لا تميته.

بلدان الكوارث والحروب، إنسان مريض ضعيف، يفتقد القدرة على التحكم في سلوكه، وقابليته للانقياد والانصياع عالية، وفي هذه الوضعية، يكون حلفاء رأسمالية الكوارث، خير طبيب يوفر قدرا مستساغا، من الوصفة الطبية دون توفير للدواء، بل وأحيانا لا بأس من بث الرعب، في هذه البلاد الفاشلة أو تلك، بأن النهاية محتومة، لكن مكنة توقيفها عند هذه أو تلك الدرجة، متوفر عند الشركة الأمريكية (.....)، أو عند أخرى تشبهها في كندا، شرط الاستعانة بمركز الأبحاث البريطاني لدراسة الجدوى، وسرعان ما تستجيب الطغمة المحلية، فتحيل المبلغ المطلوب لتغطية المصاريف، على فرع البنك السويسري المختص في تركيا.

ومن هذا برعت (رأسمالية الكوارث)، في استثمار الرعب ومُمثليه، مثل: القاعدة، طالباني، داعش، الخمير الحمر، بادر ماينهوف، الألوية الحمراء، ثقب الأزون، الإيدز، تسونامي... وما تستحدثه المعطيات الخربة، لأجل ازدهار الخراب، في الطبيعة والمجتمع الإنساني.