Atwasat

في أثينا.. يوم خطاب ويوم مسيرة

عبد السلام الزغيبي الأحد 08 ديسمبر 2019, 01:16 مساء
عبد السلام الزغيبي

الساعة تقترب من الثالثة والنصف.. إنها ساعة الذروة .. حيث موعد خروج الناس من أعمالها في طريقها للبيوت.. نحن الآن في ترولي رقم 4 الذي يقودنا إلى حي كيبسيلي.. وسط أثينا القديمة..

الترولي باص مزدحم للغاية ويسير ببطء شديد.. وسط البلد مقفل.. هناك مسيرة أمامنا ومسيرة وراءنا، وهذا شيء تعودنا عليه هنا في شوارع أثينا.. لا يمر يوم بدون مسيرة.. احتجاجات ومطالب مختلفة..

المحتجون اختاروا هذا التوقيت غير المناسب تماما للتعبير عن احتجاجهم.. هم يخرجون يشتمون الحكومة التي اختاروها ويرجعون إلى بيوتهم.. والناس المتعبة من عمل يوم كامل تعاني..

مسيرات الاحتجاج، عادة، ينظمها عمال يحتجون على قوانين العمل الجديدة التي يعتبرونها مجحفة في حقهم.. وخسارة مكتسباتهم بفعل إجراءات التقشف التي طالبت بها الحكومة لإقناع الدائنين بالإفراج عن القروض التي ستنقذ اليونان من شفا الإفلاس. طلاب يحتجون على تعديلات في نظام التعليم العالي، الجامعي الذي لا يسمح لهم بالبقاء مدى الحياة مسجلين كطلبة..

العاملون في النظافة الذين أنتهت عقودهم..ويطلبون بالتجديد رغم أنهم يعرفون مسبقا أنها عقود مؤقتة محددة بزمن..

السائقون في المواصلات العامة، يطالبون بزيادات وتحسين ظروف العمل وشراء أتوبيسات جديدة.. رغم أن الشركة تعاني.. ولا أحد يدفع ثمن تذكرة الركوب.. وليس هناك وسائل تمنع من التهرب من استخدام المواصلات العامة مجانا.

أسباب اخرى تدعو الناس للخروج للتضامن مع قضايا محلية ودولية.. تبدأ بمسيرات سلمية، سرعان ما تتحول بفعل الفوضويين إلى اشتباكات مع الشرطة، عادة ما تتخللها أعمال عنف، واستخدام المولوتوف ورمي الحجارة من الطرف الأول والرد باستخدام الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت من الطرف الثاني.

المسيرات والتظاهرات في المجتمعات الديمقراطية هي ظاهرة صحية للتعبيرعن التوجهات المختلفة، لكن توقيت خروج هذه المسيرات التي تعرقل مصالح أغلبية المواطنين وتشل الحياة خاصة لهؤلاء الذين يستخدمون المواصلات العامة للذهاب الى أعمالهم وقضاء مصالحهم.. وعدم تنظيمها بحيث تسير المسيرة في جانب معين من الطريق بدلا من إغلاقه بشكل كلي.. جعل من حياة الناس جحيما ومعاناة يومية..

هذه المسيرات ذكرتني - وإن كان الفارق كبيرا بين الاثنين من حيث التوجه - بالمسيرات الشعبية المتواصلة والدائمة التي كانت تخرج في شوارع ليبيا أيام حكم القذافي، بقيادة عمال وموظفين وطلاب يتم إخراجهم من أعمالهم بالقوة من أجل هذه الغاية، لأن هناك منشورا رسميا في ليبيا ينص على إخراج العاملين والموظفين في الدوائر والمؤسسات والشركات والإدارات الحكومية في المسيرات والتظاهرات التى تنظمها السلطة.

أغلب المسيرات التي كانت تخرج بإشراف من السلطة الحاكمة كانت من أجل إجلاء القواعد الأجنبية، ومن أجل طرد المستوطنين الطليان، ومرة من أجل الوحدة مع تونس، ومرة من أجل الوحدة مع مصر والسودان، ومرة من أجل الوحدة مع سوريه، ومرة من أجل الاحتجاج على العدوان الأمريكي، ومرات أخرى من أجل تحرير فلسطين والجولان، أو من أجل ليبيا أرض كل العرب تارة، وأرض كل الأفارقة تارة أخرى.

وهكذا، مرت سنوات كثيرة، ونحن يوم خطاب للأخ القائد الملهم المفكر، ويوم لمسيرة مؤيدة لخطواته الجبارة.. حتى أصبح الناس يتندرون بأن الحياة في ليبيا مقسمة إلى يومين ( يوم خطاب ويوم مسيرة)...