Atwasat

برلين.. الوساطة بنصف الهزيمة

نورالدين خليفة النمر الأحد 17 نوفمبر 2019, 11:57 صباحا
نورالدين خليفة النمر

رغم نهوضها قوةً صناعية صاعدة من دمار هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، فيما وُصف بالمعجزة الاقتصادية، ظلت ألمانيا الغربية، بسبب القيود على قوتها العسكرية وتسليحها، تلعب دوراً هامشيا في السياسة الدولية. حتى بعد سقوط جدار برلين وتوّحدها، وانتهاء الحرب الباردة، بزوال الاتحاد السوفياتي. ولكن روسيا وريثته مازالت تشكّل هاجساً، تتحسبه ألمانيا، فيخضعها إلى تعميق استراتيجتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. أما في مساهماتها الدبلوماسية والسلمية، فهي لاتُقدم على خطوة في قضايا مثل النزاعات في الشرق الأوسط أو في قارتي آسيا وأفريقيا، إلا بتفويض أمريكي تؤمن به نجاعة محاولتها إزاء أية إعاقة، بالذات الروسية، لمساعيها السلمية، كالمؤتمر المرتقب في برلين لحلّ الأزمة الدولية المتعلّقة بالقضية الليبية .

غموض بنود المباحتاث المُعلنة من مؤتمر برلين، واكتنافه بالسريّة في إعداد قائمة الدول المدعوّة، وترك موعد انعقاده مفتوحاً وقابلا للتأجيل، تبدو أنها خطوات لاحتساب رّدات الأفعال من قبل الدول المتدخلة في النزاع الأهلي الليبي، والتي تورّطها يشكل مسعى إفشال مبدئي لماتصبو إليه ألمانيا ومن ورائها أمريكا لعقد المؤتمر. وإذا استثنينا فرنسا التي تمّ التفاهم عبر وساطة ألمانية بينها وبين إيطاليا، غريمتها الاقتصادية في ليبيا، واستبعدنا البلدان الإقليمية التي تدخلت مع هذا الطرف أوذاك كوكيلة للقوى الدولية، فإن التدخل الروسي المُباشر وغير المباشر يظل هو الموقف المنفرد المعيق الذي ينبغي حلحلته قبل الإعلان عن موعد انعقاد المؤتمر المُزمع التئامه نهاية العام في برلين.

إعلان ألمانيا توافقًا نهائيا مع واشنطن حول مؤتمر برلين، يؤكد ليس فقط اهتمام الولايات المتحدة بالمؤتمر كعملية "Process" دبلوماسية, بل ممارسة تأثيرها الدبلوماسي لإنجاحها. هذا الإعلان عن موقف آميركي مساند، بل متحمس لإنجاح المؤتمر الألماني، مهّد الطريق لتفاهم مبدئي بين المستشارة الألمانية والرئيس الروسي الذي أشاد بجهود الوساطة الألمانية الرامية إلى استئناف الحوار الليبي وإشراك المجتمع الدولي بنشاط أكبر في البحث عن حل سلمي للمشكلة النزاعية الليبية، واقصره مبدئياً، وهو ما وافقته عليه المستشارة الألمانية على وقف فوري وغير مشروط للأعمال القتالية في ليبيا، ويعني القتال الدائر منذ 7 أشهر لانصر لأحد الطرفين ولاهزيمة على تخوم طرابلس .

سبق للولايات المتحدة أن أظهرت التزامها بمحاربة الإرهاب في ليبيا. فمنحت الدعم اللوجيستي الفعّال لقوات البنيان المرصوص المصراتية التي حاربت باسم حكومة الوفاق لدحر إمارة داعش في سرت. كما تابعت قوتها آفريكوم اصطياد فلوله وجماعات إسلامية متطرفة أخرى في بقاع متفرقة من ليبيا. إلى جانب حرصها على تأمين تدفق النفط الليبي، والضغط في سبيل الإصلاحات الهيكلية للمؤسسة المصرفية المركزية الليبية. ولذا فإن ألمانيا تعلم جيّداً أنه لاتتم وساطتها الدبلوماسية التي يمكن أن تصير وساطة سلمية في ليبيا دون إعانتها. وفي هذا الصدد استمالتها بأن ركّزت في الأسابيع الماضية ضغوطها في اتجاه روسيا، حتى تتوقف عند نقطة ملائمة في النزاع الحربي على تخوم العاصمة الليبية .

وتمحورت الضغوظ الأمريكية عبر عدة وسائل في استثمار نفوذها بالإيحاء لمالطا بمصادرة حاويات عملة ورقية ليبية طبعتها روسيا لصالح قائد مسمى الجيش الليبي لتمويل حربه على طرابلس. كذلك تمرير معلومات استخبارتية فيما أوردته جريدة "واشنطن بوست" الأميركية وعزّزته الناطقة باسم القيادة الأفريقية للجيش الأميركي التي أفادت بدراية قيادة أفريكوم منذ مدة بالشركات العسكرية الروسية الخاصة العاملة في شرق ليبيا الذي يسيطر عليه مُسمّى الجيش الوطني، بل في الغرب الليبي أيضاً حيث أظهرت استخباراتها توّرط مرتزقة روس يعملون لصالح شركة فاغنر المقربة من الرئيس الروسي لتوقي هزيمة القوات المهاجمة في حرب العاصمة. كما شهدت أروقة الأمم المتحدة إشارة نائب المستشار القانوني في البعثة الأمريكية وتنديده بأسماء عسكريين متورطين في خروقات إنسانية يتبعون لمسمى الجيش الليبي لم يسلمّهم لطلب المحكمة الجنائية الدولية، كما أفاد بتلقيه تقاريرعن انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان تستغل الحرب الأخيرة. كالقتل التعسفي والاختفاء القسري الذي ترتكبه مجموعات الميليشيات المتعددة وقوات الأمن، بما في ذلك من يشغلون مناصب قيادية وآمرية .

وحتى انعقاد مؤتمر برلين مازالت القوات المهاجمة تحت مظلّة مُسمى الجيش الليبي التي تكبّدت خسائر كبيرة في أفرادها وقيادتها، تضع شرطاً تعجيزياً لإيقاف الهجوم وهو تفكيك الميليشات التي تهيمن على العاصمة وتبتز حكومة التوافق. وفي المقابل تضع حكومة التوافق اشتراطها غير الواقعي باسم مسانديها من الميليشيات المحلّية والإسلامية برجوع القوات المهاجمة إلى مناطقها المفترض أنها انطلقت منها بالشرق الليبي وتجاهل الحقيقة بأنها قوات وكتائب تنتسب إلى قبائل تحيط بطرابلس .

حكومة الوفاق، التي يتكلم باسمها مؤسسياً مجلس الدولة رغم ضعف مشروعيته السياسية ليبياً، تستطيع الجلوس للتفاوض مع الجهات والقبائل التي كتائبها من بقايا جيش ماقبل ثورة 2011 الشعبية انخرطت بندقية للإيجار وقوة فاعلة في الهجوم على تخوم العاصمة بتنفيذ مطالبها التي قاتلت من أجلها صيف 2018 وشرائها بحصة من مال المصرف المركزي في طرابلس. لكن مُسمّى الجيش الليبي الذي تسمى الهجوم على طرابلس باسمه، ليس له الإطار السياسي والمؤسسي، فالبرلمان المنقسم على نفسه والعاطل منذ سنوات عن العمل، غير مؤهل أمام الأطراف الدولية لأن يعبر عن مطامح قيادته في الرجمة، بل صارت القيادة التي لم تحسم معركة طرابلس عُرضةً لأن تخسر موقعها التفاوضي السابق على الهجوم الذي طال العاصمة في 4 أبريل 2019. لذا فصيغة الوقف الفوري وغير المشروط للأعمال القتالية التي اتفقت عليها المستشارية الألمانية مع الداعم الروسي المنقذ الأخير لمسمى الجيش الليبي من الهزيمة الكاسحة يكون مخرجاً من المأزق الحربي وإرضاء الطرفين المتنازعين بنصف هزيمة، حيث لايمكن الحديث في النزاعات والحروب الأهلية عن انتصارات .