Atwasat

عندما يطير الماعز!

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 17 نوفمبر 2019, 11:50 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

في كثير من الحالات يقوم أشخاص، عمدا، بتعطيل عقولهم. بسلب العقل "عقليته" واستخدامه، مع سبق الإصرار، في محاولة إقناع الغير بأشياء تجافي عقولهم هم أنفسهم. إنهم يعصبون عين عقلهم ويحاولون اقتياده عبر طرق يرفض المضي فيها بعين حرة. يمتطون صهوة عناد جامح يثير الضحك والسخرية، ومع ذلك لا يبالون.

في هذا السياق ثمة حكاية ليبية (ولعلها موجودة، أو ما يشبهها، لدى شعوب أخرى) تحكي عن رجلين كانا يسيران في البراري، فلاحظا عن بعد وجود جسمين أسودين يتحركان. قال الأول: غرابان. قال الثاني: بل عنزان. ظل يتجادلان وهما يسيران إلى أن صارا على مقربة من الجسمين فطارا. قال الأول: ألم أقل لك أنهما غرابان؟. ها هما قد طارا. قال الثاني: هما عنزان حتى ولو طارا!.

قد تبدو هذه الحكاية تتحدث عن واقعة استثنائية، وقد يكون الرجل الثاني المعاند يمزح مع صاحبه. لكننا نكتشف أنه توجد كثير من الحالات والوقائع المشابهة التي لا مزاح فيها.

ففي مجال التعصب للمركزية الأوربية (وهنا اليونانية تحديدا في تاريح الحضارة والفكر) ينكر المتعصبون لما يدعى "المعجزة اليونانية" أن يكون الفينيقيون هم من اخترع الأبجدية (أي استخدام الحروف في الكتابة، وليس الرموز والصور) ويدعون أنها اختراع يوناني. أكثر من ذلك، يرفض بعض الذين يسلمون ببراءة اختراع الأبجدية للفينيقيين أن يكون هؤلاء من الجنس السامي!.*

في لقاء مع إدوارد سعيد في برنامج "محادثة صارمة HARDtalk" الذي كان يقدمه تم سباستيان على BBC تحدث سعيد عن إفراط الجيش الإسرائيلي في استخدام القوة ضد المنتفضين الفلسطيين في الضفة والقطاع. فقال له سباستيان (المتعصب لإسرائيل) بأن الفلسطيين يتعمدون تعريض أنفسهم للموت لجلب انتباه الرأي العام العالمي!

وهذا مماثل لما أدلى به الروائي والقصاص النمساوي، ذو الأصول السلوفينية، بيتر هاندكه، الذي أثار منحه جائزة نوبل هذه السنة ضجة كبيرة بسبب مواقفه المتعصبة للصرب في حرب البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، والذي "ذهب إلى حد القول إن المسلمين في سراييفو، هم من ذبحوا أنفسهم بأنفسهم، نافيا التهمة عن الصربيين، ومنكرا الإبادة الجماعية في (سريبرنيتسا)"**.

* ينظر: جورج طرابيشي: نظرية العقل. دار الساقي. بيروت- لندن. ط4. 2011. ص 75- 76.
** أسماء مصطفى كمال: هل استحق الجائزة؟. الدوحة ع 145. نوفمبر 2019. ص 94.