Atwasat

"خوذ الريشة يا فنان".. ولوّن ب"الأبيض" ذكراهم

أحلام المهدي الإثنين 28 أكتوبر 2019, 12:51 مساء
أحلام المهدي

أن تقف على أطلال حياة سابقة فهذا قدر وأن تكتفي بالبكاء على من رحلوا فهذا عجز لا تملك غيره، أما أن تشاهد عُمرا من العطاء يتلاشى في حضرة الموت والدمار فأنت تواجه غبار القبلي بعينين مفتوحتين وشهيق لا يعقبه زفير، إنه الاختناق في أبشع صورة.

عندما عبرنا بوابة فبراير كانت سماؤنا ملبدة بالأمنيات والأحلام التي ابتلعناها عُمرا دون أن نجرؤ على الجهر بها، وعندما رحل النظام الذي لم تختبر بعض الأجيال غيره سرحنا بخيالنا إلى بلاد بعيدة ومنّينا النفس ببزوغ واحدة تشبهها على أرضنا اليابسة، لكن القدر خذلنا والمتربصين بنا انقضوا على أحلامنا في غفلة منا.

منذ العام 2011 والبلاد في قلب رحى لا تكف عن الدوران، الخسائر لا تحصى والأرواح التي أطفأتها الحرب لا حصر لها، ليبيون اختلفت ألوان ملابسهم والشعارات المرسومة على أبواب ومقدمات سياراتهم ودباباتهم، لكن الدموع التي ذرفت عليهم والقلوب التي فطرت لرحيلهم لم تكن من عيون أخواتهم وزوجاتهم فقط، فالألم واحد والجرح واحد ومن يدميه في كل مرة أيضا واحد.

الجرح واحد أيضا وغائر جدا عندما يتعلق الأمر برحيل صناع الجمال والفرح في وطن يبدو أن حربه ضد الموت والقبح لن تكون أبدا سهلة، مثل هؤلاء يرحلون تاركين ثغرات تتسلل منها الكوابيس إلى إغفاءاتنا الحالمة، يرحلون بقلوب ملأتها الحسرة وأطفأ الخذلان جذوة الحياة فيها، يتركون البلاد لمصيرها ويسلمون أقلامهم وألوانهم وآلاتهم الموسيقية وضحكاتنا أيضا لأصابع انشغلت في اللعب بالسلاح غول الموت العظيم المتربص بالأرواح، يرحلون دون جنازات مهيبة تليق بإرثهم ودون تماثيل تنصب لهم في الساحات التي اكتظت بمخلفات الحرب ودون عَلَم ناصع الألوان يدثّر أجسادهم.

إلى كل من رحلوا عن عالمنا في زمن الجحود والعتمة قبل أن نعثر على حلمنا الضائع في وطن يلملم بقايانا، "صالح الأبيض" وكل رفاقه من صناع البهجة والحياة في بلادنا سلام على أرواحكم أينما كنتم.