Atwasat

اللبنانيون ومحاولة الخروج من الطائفية السياسية

ميلاد عمر المزوغي الجمعة 25 أكتوبر 2019, 02:24 مساء
ميلاد عمر المزوغي

الشعب اللبناني موزع على 18 طائفة أو أكثر، ويندر وجود الذين لا طوائف لهم، المحاصصة في الحكم عرف انتهجه اللبنانيون منذ عقود، المحاصصة تعني أن لا مجال للمحاسبة، مما أدى إلى إهدار المال العام وكثرة المستفيدين منه. زعماء الطوائف ملوك متوجون، يمنع التعرض لهم ولو بأبسط الأشياء. بلد يعتمد وبشكل كلي على السياحة وبالأخص الصيفية، حيث يرتاده الأوروبيون ورعايا الدول النفطية العربية، حيث يجدون فيه ما لذ وطاب، كيف لا وقد تم اقتطاعه عن سبق إصرار وترصد من سورية الكبرى ليكون سويسرا الشرق. بلد أنهكته الحروب نتيجة التدخلات الخارجية، وهجره معظم سكانه إلى أفريقيا والأمريكتين.

بسبب هيمنة الطوائف على الحكم، ازداد الدين العام في بضع سنين، ليفوق المئة مليار دولار، بينما الساسة ينعمون برغد العيش. المنح والقروض الدولية لأجل إعمار البلد ورفع مستوى المعيشة، يذهب جلها إلى جيوب المتنفذين من السماسرة وبغطاء طائفي. الكهرباء تزور بعض المناطق لبضع ساعات، القمامة مكدسة بمختلف الميادين والأزقة، مياه الصرف الصحي الملوثة الناتجة عن المصانع، وبالأخص الكيميائية، سلكت مجاري الأنهر لتلوث البيئة والمياه الجوفية. لا حسيب ولا رقيب، المنتجات الزراعية تغمر السوق المحلية ولا تجد طريقها للتصدير، مما يشكل إحباطا لدى الفلاحين وصغار التجار الذين يمثلون السواد الأعظم من الشعب، كثرت البطالة واستشرى الإجرام.

تكاليف الحياة أثقلت كاهل المواطن، فلم يعد يقوى على الصبر وتحمل الكثير. انتفاضته ربما تشكل تغيرا في نهج الساسة نحو الأفضل. المطالب التي رفعها المتظاهرون بلا شك جد محقة وباعتراف الحكم. رزنامة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي قدمتها الحكومة بالأكيد لا تلبي حاجة المواطن، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وأجزم بأن الحكم لن يستطيع تقديم المزيد، فالبلد غير منتج، إيراداته لا تغطي إلا الجزء اليسير من الميزانية، والدول الأجنبية لن تقدم على استثمار أموالها في بلد تحيط به الأخطار من كل جانب، ربما تقدم لهم ما يسد الرمق (عيش الكفاف).

إسقاط الحكومة أو العهد، كما يدعون، لن يفضي إلا إلى المزيد من البؤس والشقاء. الخروج من المركب من قبل بعض الأطراف لن يغفر لهم خطاياهم بل جرائمهم في حق الوطن. في حال الدعوة المبكرة إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، فإنه سيتم تدوير نفس الوجوه أو إحداث تغيير بسيط عليها. الخروج من العباءة الطائفية والمذهبية والإصلاح الاقتصادي لن يكون بجرة قلم، أو قطع الطرق والاعتصام بالميادين والساحات، بل بالقبول بالممكن لا المستحيل.

الأجدر بالمتظاهرين القبول بالإصلاحات، والدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية، وإن على مراحل، مع التشديد على محاسبة المتسببين بالفساد المالي والإداري بالدولة. لا شك أن التحرك المطلبي اهتزت له أركان الحكم، لكنه (التحرك) لن يصيبه في مقتل، فالطائفية متجذرة في نفوس الجميع بمن فيهم المتظاهرون، وإن أجبرتهم ظروف الحياة على الخروج.

استمرار التظاهر ليس مأمون الجوانب، فقد يكون هناك مندسون يعملون على إحداث القلاقل والفتن بين الطوائف، وعندها يحدث ما لا يحمد عقباه، ربما يكون ساحة صراع تغذيه أطراف خارجية لها مصلحة في إشعال النيران بالبلد، وأول من يدفع الضريبة هم أبناء المعوزين.

نتمنى للبنان الأمن والسلام، ويعيش فيه أصحاب الديانات بكل طوائفهم ومذاهبهم متساوين في الحقوق والواجبات.