Atwasat

ما يرضعه العجل

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 06 أكتوبر 2019, 02:06 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

سياسة الإفراغ من المحتوى، والتشويش، وخلط الأوراق، كانت منهجا منظما، وعملا دؤوبا انتهجه النظام السابق، ممثلا في معمر القذافي، بإتقان لا لبس فيه، ما زلنا نعاين ونعاني آثاره، التدميرية، ومازالت طاقته المنفلتة فعالة من حولنا، وفي أنفسنا.

فمن إفراغ المؤسسات من مضمونها وتقويض أركانها، إلى خلط المفاهيم، وتمييع القضايا، إهمال المعايير، وإشاعة روح الاستسهال والاستهانة بكل شيء.

تحطمت المستويات والسلالم، فأصبح كثير من المواطنين الليبيين، حين يأتون إلى أية مصلحة لقضاء معاملة ما، لا يعلنون عن حاجتهم ويسألون عن الإجراء وإلى أي مكتب يتجهون، وإنما يسألون، دون مقدمات، عن المدير! في حين أن المعاملة ممكن أن تقضى على مستويات أدنى.

وفي المؤتمرات الشعبية دخل، عن إيمان أو اضطرار، في روع الناس أنهم "يقررون"، ليس مصير حياتهم اليومية وشؤونهم ومصير البلد فقط (الأمر الذي كان وهما)، وإنما مصير السياسة الدولية! ففي إحدى سنوات عقد الثمانينيات من القرن العشرين طُرح وجوب إلغاء حق النقض (باطل النقض، مثلما سماه معمر القذافي) بمجلس الأمن الدولي! فصار المواطن الليبي يقف أمام ناقل الصوت ويقول، بصوت واضح، أنا قراري إلغاء حق النقض بمجلس الأمن الدولي!

ولم يسلم ميدان الثقافة والأدب من ذلك. بل لعل الطامة فيه أكبر وأنكى. فمن إشاعة روح الفوضى والتسيب في التعليم والنجاح عن طريق الغش وتخريج جيوش من حملة شهادات عليا وهمية فعلا، إلى جيش من الصحفيين والكتاب والأدباء، ذكورا وإناثا، يخطؤون في الإملاء(ناهيك عن النحو).

لقد امتلأت الصفحات الثقافية بصحفنا بـ "أدباء" يكتبون القصة والشعر والنقد دون أن تكون لهم حصيلة ثقافية معقولة في المجال الذي يكتبون فيه ودون أن يمتلكوا ناصية الأداء اللغوي، وقد يستاء، أو تستاء، داخليا إذا لم تتم مخاطبته، أو مخاطبتها، بيا أستاذ أو أستاذة. وهناك منهم من نشر كتبا أيضا ويمثل البلاد في في الملتقيات والمؤتمرات العربية والدولية! وبذا امتلأت الساحة الثقافية بكتاب وأدباء وهميين.

لم أفكر يوما في وضع مشاكلنا ونواقصنا وعيوبنا، بقضها وقضيضها، على كاهل ومسؤولية معمر القذافي. فمعمر القذافي، في مبتدأ الأمر ومنتهاه، ابن البيئة الليبية وقد تشرب ما تشربه منها (فما يرضعه العجل هو ما أكلته البقرة، مثلما يقول مثل هندي). لكنني أقول دوما أن معمر القذافي ركز جهده واجتهاده على تنمية أسوأ جوانب الذهنية الليبية وإخصاب أسوأ ما في البيئة الثقافية الليبية.