Atwasat

سياسة على الصفيح الساخن

نورالدين خليفة النمر الأحد 22 سبتمبر 2019, 10:32 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تمضي خطة رئيس البعثة الأُممية لدعم جهودها في ليبيا، بالترتيب الذي أحاط به مجلس الأمن لمعالجة الوضع الراهن فيها، وبنودها ـ كما ورد في الطلب البريطاني ـ تبدأ بهدنة يتطلب تطويرها خفض التصعيد والتوصل إلى اتفاق يقضي بوقف لإطلاق النار، ثم تنظيم مؤتمر دولي تشارك فيه الدول المعنية بليبيا، عزّز خطته الدعم الذي لقيته من قمة الدول السبع الصناعية الكبرى من أجل تحقيق تسوية القضية الليبية التي تنطلي عليها استعارة المسرحي الأمريكي تينسي وليامز قطة على سطح من الصفيح الساخن. وإدارتها في منعطفها الحرج الراهن محتاجة لطرف سياسي دولي يحتسب خطواته بين التدخلات الدولية وتابعتها الإقليمية الحارقة لإيصال القطة خارج الصفيح. الرئيس الألماني، دعا من جانبه، إلى إطلاق مبادرة ثلاثية مع إيطاليا وفرنسا من أجل منع ما وصفه بتآكل الدولة الليبية. والسياسة التي تقودها المستشارة الألمانية في هذا الصدّد مؤهلة أوروبياً كقوة رئيسية في الاتحاد الأوروبي أن ترمم جسراً بين المصلحتين الإيطالية والفرنسية المتدخلة عليها. ومصلحتها الرئيسية تتمثل في إيقاف الهجرة الأفريقية من بوابة الفوضى الليبية التي تصب من بلد العبور إيطاليا إلى ألمانيا. وقد حذرت بوضوح، في خطاب برلماني، من تطورات الأحداث الحالية في ليبيا، واصفتها بتهديد "حرب بالوكالة، مقارنتها ببلدان أخرى، حيث تسود الحرب الأهلية لسنوات. ولتحقيق المصلحة الألمانية والأوروبية في مواجهة الهجرة، ينبغى على الحكومة الفيدرالية، أن تضع نُصب أعينها مبدأ استعادة الدولة في ليبيا .

قرأت المخلص من الفصل المتعلّق بالثورة الليبية 2011 في مذكرات ديفيد كاميرون، التي ستصدر قريبا. فخطرت لي ذكريات دراستي في ألمانيا. فمن ضمن البرنامج التدريسي لمناهج البحث في العلوم السياسية في الجامعة الألمانية التأهيل في منهجية كتابة بيوغرافيا السياسي، ومذكراته. فتفاجأت عند درسي أن مذكرات ساسة الغرب، كما نظن في بلداننا، لايكتبها الساسة وحدهم، بل يكتبونها بمشاركة مختص في كتابة البيوغرافيا السياسية، ينجز صياغتها بخطوات منهجية محددة، أحد عناصرها إمساك الـ "guide on" مبدأ المذكرات والخيط الرئيسي لسرد الوقائع في شكل منطقي مترابط .

في سرد مذكراته وضح كاميرون الـ "guide on" ، الذي أنجح دبلوماسييه في استصدار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973 بتاريخ 17 مارس 2011 كجزء من رد الفعل الدولي على المقاصد المُعلنة، والتصرفات المبتدئة من قبل النظام الدكتاتوري الليبي لقمع ثورة 17 فبراير 2011. فالتدخلات ذات الطابع العسكري، لكي تتحصل على مشروعية وتفويض دوليين عبر الأمم المتحدة، يكون من اللازم استناد مسعاها على مبدأ سياسي أخلاقي، وهذا ماتمّت صياغته في جملة بليغة أوردها كاميرون "ألا تفعل شيئًا في هذه الظروف، لم يكن فعلًا حياديًا، كان يعني تسهيل القتل".

فبعد ما تمت بلورة المشروعية الضمنية بدأت حركية الدبلوماسية الإنجليزية، الخبيرة في الاستعمار ومابعده، للوصول إلى موقف متماسك بريطاني ـ أمريكي تنضم إليه فرنسا، بعد تجربة تعاونها للتو مع أمريكا في إسقاط رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته في 2011. تبدت العقبة الأولي في إقناع الرئيس أوباما الذي اُنتخب متعهدًا بالنأي بالولايات المتحدة عن النزاعات الخارجية، والذي لايبغي تكرار شبح فشل التدخل الأمريكي في العراق. الثانية الاتحاد الأوروبي الذي سيطر على بلدانه مزاج سلام موهوم، عزّزه الألمان الذين لا يريدون التورط، فالدكتاتور الليبي أظهر كفاءته في إحكام باب البحر الأبيض مسدوداً في وجه الهجرة الأفريقية، وتغذى شعور الألمان قبل ذلك بتلويح دول كتلة أوروبا الشرقية سابقًا بتجربتها في تحول كثير منها إلى الديمقراطية بالثورات المخملية الناعمة. العقبة الكأداء الأخرى، أنه بعد التدخل في العراق، صار من الصعوبة بمكان فعل أي شيء دون قرار من مجلس الأمن الدولي بالأمم المتحدة. ولكن قبل التفكير في هذه الخطوة تتطلب الدبلوماسية البريطانية الحصول على دعم كل وزراء الحكومة. فرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير خسر أربعة من وزرائه إبان الحرب على العراق، رغم حيازته على أغلبية ساحقة، وحكومة كاميرون كانت في ائتلاف مع حزب مناوئ للحرب وهو ما خوّفها أن تواجه مصير حكومة بلير السابقة .

إيطاليا كانت عام 2011 يقودها حزب قوة إيطاليا برئاسة بيرليسكوني الذي يسّبق المصالح على أخلاقيات السياسة التي لاتعنيه، ومصالح حكومته متشابكة مع بقاء الدكتاتور الليبي في السلطة واستمرار نظامه بكل علاّته في صورة التوريث المقترحة. المفارقة أن العاصمة روما هي التي تكون اليوم خريف عام 2019 بسبب عدا توغل مصالحها الأقتصادية، كونها المعبر الأوروبي بعد المعبر الليبي للهجرة الأفريقية وهو ما أهلّها أن تكون محور مشروع السلام المستديم في ليبيا، ومنع المتبقي من دولتها في العاصمة طرابلس من التآكل، بما تعدى مصير الدولة الفاشلة، خاصة بعد الهجوم التدميري الذي قاده قائد مسمى الجيش الليبي تعينه قوات قبلية مساندة تتربص بالعاصمة بنك الريع المركزي من تخومها .

يبدو أن الطريق صار ممهداً لانعقاد مؤتمر برلين في شهر أكتوبر 2019 ، والذي سيسبقه المؤتمر الوزاري للدول المعنية بالأزمة الليبية، الذي سينعقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. فيتبقى من خطة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة اقتراحه أن يلي المؤتمر الدولي المعني بوضع النقاط على الحروف في الأزمة الليبية، مباشرة ملتقى ليبي يضم الأطراف المحلية الفاعلة في الأزمة. قائد مُسمى الجيش الليبي الذي أشعل 4 أبريل 2019 الحرب على تخوم العاصمة طرابلس كل المؤشرات تُبدي أنه لن يكون الطرف الأساسي في الملتقى الليبي ـ الليبي، هذا إذا تمت دعوته من الأساس بسبب فشله في احتلال العاصمة، وتركه قبائله المساندة له كالعربان والأصابعة، وترهونة والعلاونة تتلقى ضربات الطيران المسير الصاعقة. فقد لمّح المبعوث الأممي سلامة في لقائه مع صحيفة ليبراسيون 08 سبتمبر 2019 ، إلى أنه رغم أن رؤية بعض الأطراف التي قاتلت المهاجمين تركن للواقعية في التعامل مع شروط قائد الاعتداء لانسحابه، إلا أن القوات الأساسية من مصراتة والزاوية والزنتان، ترفض التفاوض معه. وهو الموقف الذي عبرت عنه التصريحات التي جددها رئيس المجلس الرئاسي في زيارته19.09.19 إلى إيطاليا؛ والتي تواقتت مع لقاء الرئيس الإيطالي بالألماني برفضه مشاركة قائد مُسمى الجيش في أي حل سياسي، مؤكدًا حرصه على دحر العدوان، وإنهاء مشروع إعادة، وتجديد عسكرة الدولة الليبية .