Atwasat

"ألم يكن أفضل لو بقينا أصدقاء؟"

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 01 سبتمبر 2019, 12:49 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

انبثقت الحرب بين البشر منذ أن تحولوا إلى جماعات متلاحمة داخليا ومنفصلة، أو مستقلة، خارجيا. عندها تضاربت مصالح هذه الجماعات في الأمور المتعلقة بالمصادر الحيوية ذات العلاقة المباشرة بالمعيشة اليومية من طعام وماء. ومع قيام الدول والحضارات توسعت المصالح وازدادت وصارت الحرب تتخذ أشكالا أكثر تنظيما وتعقيدا.

الحرب، بمعناها الواسع، هي سلوك عنفي، قتالي، يستهدف القضاء على الآخر العدو، تتخذه جماعة بشرية ما ضد جماعة بشرية أخرى، بناء على تضارب المصالح والتصارع للفوز بامتياز معيشي ما. فالحرب تتحدد بدوافع، مهما بدت غير مقنعة لنا أحيانا، وليست عملا طائشا وعشوائيا، وإن اتخذت هذا المظهر بعض الأحيان.

ورغم المحاولة البشرية، عبر التاريخ، لجعل الحرب أقل توحشا وضراوة، وأكثر إنسانية، من خلال تحريم قتل الأسرى وغير المحاربين، وتحريم القضاء على مصادر الحياة الضرورية للناس، من مثل ردم الآبار وإحراق الحقول وإبادة قطعان الماشية، وفي العصر الحديث أضيف إليها عدم استهداف المستشفيات وفرق الإسعاف العاملة أثناء المعارك وعدم استهداف الصحفيين والمراسلين الحربيين، وعدم استهداف الملاجيء ومحطات الكهرباء والمنشآت المدنية، وعدم شن الحرب على دولة ما إلا بعد إبلاغها بإعلان الحرب... إلا أن التجاوزات والانتهاكات أكثر من أن تحصى، وتصل أحيانا إلى ارتكاب ما بات يعرف بـ "جرائم ضد الإنسانية"

يعتقد الكثيرون منا أن الإنسان البدائي كان شديد التوحش والضراوة في معاملة أعدائه. لكن الدراسات الآنثروبوليجية تفيدنا أنه عندما نشأ الضمير (فالضمير تاريخي وليس من بنية الإنسان) "كانت أول وأهم المحظورات الخلقية التي ذهب إليها ضميره المتيقظ : إنك لن تقتل" (1: 34)* وتثبت الدراسات الآنثربولوجية على الأجناس البدائية المزامنة لنا أنها تتصرف إزاء أعدائها بمشاعر أكثر رقيا وإنسانية مقارنة بنا. "فعندما يعود البدائي من أرض المعارك منتصرا لا تسمح له قبيلته أن يطأ قريته بقدميه، ولا أن يقرب زوجته ما لم يتطهر مما ارتكب من أعمال القتل في الحرب" (1: 34).

تستمر هذه الكفارة في كثير من الأحيان زمنا طويلا وهي بالغة الإبهاظ لنفسية هذا المقاتل. "وقد يقال أن مرد هذا كله الاعتقاد في الخرافات، وهو قول حق طالما أن الإنسان البدائي كان يرجع من الحرب وهو يحمل معه الخوف من أرواح من سفك دماءهم. لكننا نرى أن أرواح الأعداء الذين كان يعتقد أنهم يتعقبونه لم تكن سوى ضميره هو نفسه وقد أزعجه الدم الذي سفك والإثم الذي ران عليه" (1: 34).

في جزيرة تيمور ، بعد أن يعود المحاربون مظفرين حاملين رؤوس أعدائهم، تجرى مصالحة مع أرواح الأعداء دفعا للمكروه الذي ينتظر المحاربين المنتصرين. فتقدم الأضحيات ويقام حفل رقص وغناء يتضمن ندبا ورثاء للعدو المقتول ويطلب منه السماح "لا تغضب منا لأن رأسك عندنا هنا. لو لم يكن الحظ معنا، فلربما كانت رؤوسنا الآن معلقة في قريتك. لقد أحضرنا لك أضحية. الآن يمكن لروحك أن تكون راضية وتدعنا في سلام. لماذا كنت عدوا لنا؟ ألم يكن أفضل لو بقينا أصدقاء؟ عندذاك ما كان دمك قد سفك ورأسك قد قطع" (2: 59- 60).

وحين نشبت الحرب بين قبيلتي البراعصة والعبيدات الليبيتين في القرن التاسع عشر عقدت القبيلتان ميثاقاً شفوياً** يحدد أخلاقيات الحرب أو "قواعد الاشتباك". فلا قتال في الليل (من غروب الشمس حتى الفجر). ولا اغتيال أو خديعة، فالحرب مواجهة. ولا سبي أو انتهاك أعراض. وأي امرأة من القبيلتين تدخل لظروف ما أرض القبيلة الأخرى تعامل كضيفة ويذبح لها حسب العادة المتبعة في إكرام الضيف.

وفي بعض مناطق أفغانستان الحالية "تعقد الأطراف المتحاربة اجتماعا قبل الدخول إلى المعركة ليتفقوا على مدى الخسائر التي يستطيعون احتمالها، لأنه على الطرف المنتصر أن يعنى فيما بعد بالأرامل والأيتام لدى أعدائهم المزومين" (3: 435)

الملاحظات والمصادر
* يشير الرقم الأول إلى رقم المصدر في القائمة أدناه، ويشير الرقم الثاني إلى الصفحة المقتبس عنها.
** أشكر سالم العوكلي الذي تفضل بمدي بهذه المعلومات، نقلا عن أحمد يوسف عقيلة.
1- سيجموند فرويد، الحب والحرب والحضارة، دراسة وترجمة دكتور عبد المنعم الحفني، دار الرشاد. طبع. نشر. توزيع، القاهرة، 1992.
2- سيغموند فرويد، الطوطم والتابو، ترجمة بوعلي ياسين، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا- اللاذقية، 1983.
3- جريغ مورتنسون، ديفيد أوليفر ريلين، ثلاثة أكواب من الشاي، ترجمة وفاء طقوز، دار التكوين، دمشق، 2016