Atwasat

مطبات وفخاخ التقنية

جمعة بوكليب الأربعاء 28 أغسطس 2019, 01:38 مساء
جمعة بوكليب

التقدم البشري في مجال التقنية، والفضاء الالكتروني، يتطوربقفزات كبيرة، مذهلة، مثيرة للإعجاب والفخر، لكنها، للأسف، تصيب أمثالي بالدوار، وتضعهم، يوماً بعد يوم، على هامش حياة جديدة، لاتقبلهم إلا بشروطها، وهم لايستطيعون سبيلا لتحقيق تلك الشروط،، وليس أمامهم، شاءوا أم أبوا، سوى الرضى، وقبول العيش في عالمها الرحب، والفسيح، كمهاجرين فقراء تقنياً.

الهوة التي تفصلني عن العالم الالكتروني الجديد، تزداد عمقاً واتساعاً، واستحالة على العبور. فأنا، مثل كثيرين، مازلت أتعثر في التعامل مع الهاتف المحمول، ومازلت أرتبك لدى ملامستي لأزرار جهاز حاسوب، وأنكمش رعبا حين أجد تفسي ملزما على التعامل مع آلة الكترونية، مصرفية أو إدارية، وأحرص، دوماً، أن أكون برفقة أحد من أبنائي، أو من معارفي، لدى عزمي على إنجاز معاملة في جهة من الجهات، تفادياً لحرجي، ووقوفي، جامداً، صامتاً، أمام آلة الكترونية، حائراً في التعامل معها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنني أفضل الوقوف منتظراً في طابور طويل، في محل سوبر ماركت، لدفع تكاليف ما اقتنيت من سلع وحوائج لعامل آدمي يقف أمام خزانة، على أن أتجه إلى الوقوف في طابور أقصر مخصص لآلات الدفع الآلي.  

آخذين كل ذلك في الاعتبار، فإنني من جهة أخرى، مغرم بالاطلاع على ما توفره وسائل الإعلام المطبوعة من مواضيع تتعلق بالتقنية. وإذا ظن البعض أن ذلك يدعو للتعجب والغرابة، فإنهم محقون، وأعترف بذلك. لكن الاطلاع على موضوع مكتوب، في صحيفة، أو مجلة يومية، أو أسبوعية، لن يشكل لي إحراجا، أو إرباكا. إذ يمكنني التوقف عن القراءة، والانتقال إلى مادة أو صفحة أخرى، إن لم أفهمه. وهذا ، بدوره يقودني إلى الانعطاف إلى ما أردت التطرق إليه، وهو ما قرأته، مؤخراً، من تحذيرات تتعلق بـما يسمى " حُصّاد، أو حاصدو الحمض النووي". الموضوع يتعلق بتسريب أو سرقة "البيانات البيومترية-Biometric data" ، التي تعني ملامحك الشخصية البيولوجية، وتتضمن وجهك، وعينيك، وصوتك، وبصمات أصابعك، وتعبيرات ملامحك، وحمضك النووي.

والبيانات تستخدم للتعرف على الأشخاص، في سياق الأمن والأمان الشخصي. وأصبحت تستخدم في العديد من المصارف والمحلات التجارية والمستشفيات والمطارات. وبدلا من استخدام كلمة المرور، كما في جهاز حاسوب، صار الآن بالإمكان الاكتفاء بالتعرف على نبرات صوتك. هذا التقدم العلمي الرائع، أضحى، كغيره، وسيلة لسوء الاستخدام، وعرضة للسرقة، كما يتسرب شخص "هاكر"، من وراء ححاب الكتروني، إلى جهاز حاسوبك، ويستولي على كل معلوماتك! المشكلة أن هذه النوعية من البيانات شبه مستحيل تغييرها، لأنها من ضمن مركباتك البيولوجية. ومتى تم تجميعها، فإنها تشير إليك وحدك. وإذا فُقدت، أو سُرقت فإنها تصير مفتوحة للاستغلال، والإساءة، وسوء الاستخدام بشكل دائم. وإذا كان بإمكانك تغيير كلمة مرور في حاسوبك إن فقدتها، فمن غير الممكن لك إعادة كتابة حمضك النووي. 

الخبراء يؤكدون على خطورة هذا النمط من البيانات، وإمكانية تعرضه لسوء الاستخدام،أو السرقة، أو تسريبه. وتبيّنت صحة مخاوفهم حين، مؤخراً، تم اكتشاف وجود بيانات تعرّف على ملامح وجوه، وأكثر من مليون بصمات أصابع في موقع عام، على موقع في الانترنت، لشركة متخصصة في تزويد المصارف والحكومة والشرطة، في بريطانيا، بالبيانات البيومترية. 

تسريبات كهذة، يقول التقرير، سوف تتزايد مستقبلا ، كما يؤكد الخبراء، مع تزايد تقديمنا بيانات بيومترية للشركات باختلافها وأحجامها. أضف إلى ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، تستخدم آلية التعرف على الوجوه، فيما يظهر لنا من صور فوتوغرافية، والتعرف على وجوه من يوجد بها في الخلفية، حتى وإن لم يكونوا من مستخدمي الفيسبوك.

الأخطر من ذك هو أن حصد بيانات بيومترية من سكان بلد ما، يجعلهم عرضة للمراقبة الجماعية من قبل الأجهزة الأمنية. وتعرضت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة للانتقاد الشديد من المؤسسات الحقوقية لقيامها بأخذ بصمات أصابع كل من يدخل مهاجراً إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، لإمكانية تحول تلك الممارسة إلى رقابة ورصد أمني، أو تمييز عرقي، أو استغلال.

الحل، أو في جزء منه، يتمثل في التأكيد على الشركات باقتناء برامج أمنية متطورة، وبإجراءات أمنية الكترونية صارمة، كي لا يمكن الوصول إلى مستودعات البيانات. 
لكن، كما يؤكد التقرير في خاتمته، بدلاً من الاعتماد على الشركات، أو الحكومات، في حماية بياناتنا البيومترية، يتوجب علينا التساؤل عن جدوى الاستمرار في تقديم بياناتنا البيولوجية لشركات ومؤسسات كل ما يهمها هو الكسب التجاري.