Atwasat

عن العيد وأحواله

جمعة بوكليب الأربعاء 14 أغسطس 2019, 10:08 مساء
جمعة بوكليب

بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، كل عام وأنتم بخير، وهناء، وسلام.
عيد الأضحى، معروف، شعبياً، بالعيد الكبيرة، تمييزاً له عن عيد الفطر، والذي هو العيد الصغيرة، ولا أعرف تحديداً جواباً للسبب الكامن وراء التسميتين. هل لاقتران عيد الأضحى بالوقوف بجبل عرفه، مثلاً. لا أعتقد ان ذلك سبب كافٍ، فعيد الفطر يأتي بعد نهاية شهر الصوم، وأولى بوصفه بالعيد الكبيرة، بسبب المعاناة والتعب والآلام المصاحبة للصوم.

عيد الأضحى، عيد اللحم، كما يقولون، لذلك مواله طويل، و «حوسته، وعوالته» لاحد لهما، لكنه، وهذا الأهم، فرصة للمة عائلية، منكهة بروائح اللحم المشوي، وكؤوس الشاي.

كلما اقترب العيد، كلما زاد شوق الأطفال لاقتناء خرافهم، أضحيات عائلاتهم، التي كان يصر خطيب جامع درغوث، بالمدينة القديمة، في خطبة عيد الأضحى، على نصح المصلين بذبحها مباشرة عقب الانتهاء من الصلاة، لأنها ستكون مطاياهم إلى الجنة. وكان هو أول من يفعل ذلك بذبح أضحيته في الصحن الخارجي للجامع. لاأعرف إن كان هذا حكرا على الخراف الوطنية أم يشمل، أيضاً، الخراف الرومانية والأسبانية!

أعياد الأضحى مرتبطة، في ذاكرتي، بتراكم مخلفات الأضاحي، في أنحاء المدينة، من جلود وفرث ودم، وخراف ميتة، وغيرها، في الشوارع والساحات، مكونة جبالاً متراصة من قمامة بروائح خانقة، تجعل المرور بقربها مخاطرة صحية، والتخلص منها يتطلب أياماً.

أتذكر في أيام الطفولة والصبا، بالمدينة القديمة، أن الكثيرين منّا، كانوا حريصين على التباهي بكباشهم، وعظم قرونها، وكانوا يخرجونها معهم إلى الشوارع، لكي تقام لها مباريات في النطاح، مصحوبة بالتصفيق والصفير والتهليل من جمهور مكون من الصغار والشباب. مسكينة تلك الخراف، كلما تذكرتها كلما شعرت بالذنوب تعتصر قلبي، لكن عتبي وعذري أننا كنا أطفالاً، ببراءة  وسذاجة تلك الخراف، وعداونيتها أيضاً.

قبل حلول العيد بأيام، ينجح بعض الصبية، منا، في تأسيس علاقة ودية جداً مع خرافهم حتى يصبحوا قادرين على السير في الأزقة والشوارع، متباهين، وهي تتبعهم من دون أن يجروها بحبل، وكنتُ، شخصياً، أشعر بشيء من الغيرة نحو أولئك الصبيان لقدرتهم على فعل تلك الأعاجيب، بجعل خرافهم تتبعهم بلا حبل، ومن دون خوف أن تهرب منهم، وتضيع، أو تسبب في أذى أحد.

وجود خرفان الأضاحي في بيوت المدينة القديمة لم يكن غريباً، ولايسبب مشكلة، فالبيوت العربية واسعة الفناء، ومليئة بالأطفال والصبية، من الجنسين، وأضافة خمس أو ست خراف إليهم، لايسبب ربكة كبيرة للامهات. وأعتقد أن المشكلة الحقيقية مع خراف الأضاحي بدأت حينما أنتقلت العديد من الأسر لتقيم في عمارات المساكن الشعبية، وانعدام وجود مكان مناسب لخراف العيد إلا في الشرفات المطلة على الشوارع، أو فوق الأسطح!

وأعتقد أن الكثيرين على علم بما كانت تسببه من مناظر مؤذية، بتحول الشرفات إلى حظائر، وما قد يسبب ذلك من مشاكل للخراف أولاً حين تجد نفسها مربوطة بحبل في شرفة بالدور الثالث أو الرابع، ولرب العائلة، وأفراد أسرته ثانياً بسبب ما يحدثه ذلك من  إرباك في المساحة الصغيرة التي يقيمون بها، وللعابرين ثالثاً على احتمال أن تفقد بعض الخراف عقولها وتحاول القفز من الشرفة إلى الشارع، فتموت مشنوقة، ومعلقة في الهواء.

في بيتنا صباح العيد، وبعد صلاة العيد، لم يكن والدي، رحمه الله، يجيد الذبح، مما جعلنا، دائماً، نعتمد على مساعدة الأقارب والجيران، من القادرين. وهذا يعني أنه كان يتوجب علينا الانتظار إلى فترة ليست قصيرة، عقب الانتهاء من أداء شعائر صلاة العيد، لأن القادم للمساعدة، لا يغادر بيته قبل ان ينتهي من ذبح وسلخ أضحيته، وأضاحي ذويه. بعدها، يحتاج إلى فترة راحة، وشرب كؤوس شاي لتعديل مزاجه، وتدخين كم سيجارة. وكان هذا التأخير كثيراً ما يقلق أمي، ويسبب توترها، لعلمها أن جاراتها قد باشرن، قبلها، المهام المنوطة بهن في هذه المناسبة.

في فترة السبعينيات من القرن الماضي، كان معظم الشباب يقضون نهار اليوم الأول من العيد مع ذويهم، وبعد أداء ما يكلفون به من أعمال وغيرها، ويقضون بقية الأيام في «زرادي» بغابات تاجوراء، أو على شواطيء البحر، لقضاء بقية أيام العيد، هروباً من الملل المصاحب لبقية أوقات أيام العيد.

هذا العيد مختلف، بسبب ما سببته الحرب الجارية من مآسٍ طالت العديد من البيوت، والعائلات. ولا أعرف، على وجه التحديد، سبباً يدعو الليبيين للحرص على شراء ألأضاحي، والاحتفال بالعيد، أو الجدوى من القرابين، في وقت يموت فيه، يومياً، تقريباً، شباب أبرياء قتلا بالرصاص والقذائف، من الأرض والجو، وتدمر فيه المنازل، وتشرد فيه العائلات.

قد يقول قائل إن البركة في الحي، وأن الحياة لا تتوقف حتى في أوقات الكوارث، أو الحروب أو غيرها، ولابد من استمرار الناس في ممارسة حيواتهم، وشعائرهم، وتقاليدهم، وأعراسهم، وغيرها. ولا أظنني أختلف مع هذا الرأي، لكني ، في نفس الوقت، أجدني محرجاً من اقتناء اضحية العيد، وجيراني، أو أقاربي مدثرين بالحزن، والحداد على فقدان عزيز لديهم.

أتمنى على الله أن تصفو الخواطر، وأن تطفأ نيران العداوات، ويجد الفرقاء طريقاً يقود إلى مناضد التفاوض، والتفاهم، والوفاق، والاتفاق لوضع نهاية لهذة الفواجع والمآسي التي طالت الجميع، وأرهقتت البلاد، وتكاثر غيمها حتى حجب صحو سموات النفوس.