Atwasat

قطر والإمارات: المتشابه والمختلف (4/4)

أحمد معيوف الخميس 25 يوليو 2019, 12:58 مساء
أحمد معيوف

الدور القطري والإمارتي في ليبيا: معركة نفود...

في مقال سابق «قطر: لماذا الآن؟»، تحدث عن تاريخ الدور القطري في ليبيا، قبل وبعد الثورة، والذي تراوح بين الدعم والتدخل السافر. وقد وضح منذ البداية أن قطر تدخلت في ليبيا وساندت الثورة على نظام معمر لأسبابها الخاصة، لذلك لم تساند المجلس الانتقالي، باعتباره الجسم الذي افترض أنه يمثل مصالح الثورة، بنفس القدر الذي سعت فيه بدعم جماعات معينة في طيف التغير. لقد كان دعمها واضحاً وصريحاً لجماعة الإخوان المسلمين.

لقد نبه أحد الصحفيين الليبين مبكراً، وحذّر من «دخول البلاد في صراع مسلح لفرض واقع سياسي استنساخاً لتجربة حزب الله في لبنان» كما تنبأ وحدث فعلاً.

لاشك، أن للإسلاميين دوراً مشهوداً في الثورة الليبية، بل وفي مقارعة نظام معمر القذافي المستبد حتى قبل الثورة. لكن لا يعني هذا أن يستحوذ الإسلاميون على المشهد السياسي الليبي، وأن يحتكروا مكتسبات التغير، ويفرضوا رؤيتهم الأحادية التي قد تتعارض مع رؤية شركائهم في الوطن. ولا شك أن معركة قطر هي معركة نفوذ في المنطقة، فتوافقت معركة الوجود والتمكين للإسلامين مع معركة النفوذ القطري، وتشكل تحالف أقل ما يوصف به أنه لا يصب في الصالح الليبي كما اتضح لاحقا.

بالمقابل، تبنت الإمارات دورها الخارجي على عدائها للإخوان المسلمين وللتيار الإسلامي السياسي، وكان دور الإمارت إما داعماً للثورة المضادة كما في اليمن وسورية، أو مناهضاً لدور الإسلاميين كما في مصر وليبيا. بمعنى، أن الدور السياسي الذي تمارسه دولة الإمارت لا يختلف عن الدور القطري، فدور الدولتين يمثل انحيازاً إلى أحد أطراف النزاع، وتغذية له تعمل على إطالة أمده.

فالإمارت واحدة من أبرز الدول التي تدخلت ومازالت تتدخل عسكرياً في ليبيا منذ 2011، وتعتقد الإمارات أن دعم حفتر سيحقق نهاية حقيقية للإسلاميين، لهذا هي تقف بكل ثقلها خلفه، وتشارك مصر الإمارات وتتحالف معها في دعم هذا التوجه.

انتهاكات الإمارت لقرار حظر الأسلحة الدولي على ليبيا تكرر العديد من المرات، واعترفت به المنظمات الدولية المسؤولة عن مراقبة حظر التسلح، كما اعترف رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح بالتعاون الإمارتي مع الجيش الليبي الذي يقوده حفتر، واثنى على هذا الدور. وفي أحد تصريحاته، قال إن الجيش الليبي لم يكن يملك آليات، وقد تم شراء 300 عربة لم يتمكن الجيش من دفع ثمنها، فقامت الإمارات بتسديدها. وربما ـ مما يثير الدهشة والشك في آن واحد - أن تكون أول زيارة يقوم بها السيد عقيلة صالح خارج ليبيا بعد زيارة مصر كانت إلى دولة الإمارات، وكانت بعد شهر واحد فقط من انعقاد أول جلسة للبرلمان الليبي.

وتفيد بعض التقارير الصحفية بأن محمد دحلان بصفته مستشاراً للشيخ محمد بن زايد مثل رأس الحربة للإمارات بالداخل الليبي بالتعاون مع محمد إسماعيل المستشار الأمني الأسبق لنجل معمر القذافي سيف الإسلام.

وأظهر التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا خرق دولة الإمارات العربية المتحدة، وبصورة متكررة، نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها. وبينت لجنة العقوبات في تقريرها أن الإمارات قدمت الدعم العسكري لقوات اللواء خليفة حفتر على أنها شحنات مواد غير قاتلة، مرجحة كفته في القتال المستمر في البلاد بعد الثورة الشعبية على نظام العقيد معمر القذافي. وبحسب التقرير، فقد أدى الدعم الإماراتي إلى زيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة.

ورأت اللجنة أن مساعدات حكومة أبوظبي أدت إلى تزايد أعداد الضحايا المدنيين في النزاع الدائر في ليبيا. كما رصد التقرير زيادة في انتهاكات حقوق الإنسان من قبل بعض الجماعات المسلحة المعترف بها من مجلس النواب أو المجلس الرئاسي أو حكومة الإنقاذ الوطني.

لا يتوقف التدخل الإماراتي في خرق الحظر على التسليح وتزويد حفتر بالأسلحة كما أشار تقرير لجنة العقوبات، بل تعداها إلى أكثر من ذلك. فقد أشار موقع «أي إتش إس جين» (IHS Jane) المتخصص في تقديم الخدمات الاستراتيجة والتخطيط وفي الشؤون العسكرية والفضائية إلى أن دولة الإمارات أقامت قاعدة جوية قرب مدينة المرج شرق ليبيا، تعمل بها طائرات هجوم خفيفة وأخرى من دون طيار. وأعلن الموقع البريطاني حصوله على صور بالأقمار الصناعية من شركة «إيرباص» للدفاع والفضاء، تكشفت عن نشاطات لدولة الإمارات في مطار «الكاظم» في ليبيا، لافتاً النظر إلى أن الإمارات تدعم بهذه الطائرات قوات الجيش الليبي الذي يقاتل المتشددين شرق البلاد. وأوضح أن قاعدة «الكاظم» كان بها بنية تحتية متواضعة جداً بداية العام الجاري، إلا أن الوضع هناك تغير منذ شهر مارس، حيث رصدت مبانٍ جديدة وإنشاءات جارية في حظيرة للطائرات، مضيفاً أن العمل بهذه القاعدة بدأ بين شهري مارس ويونيو من العام 2017.

الوجود القطري والإماراتي في ليبيا يشكلان صراع نفوذ بينهما، لكن هذا الصراع يتم باستخدام أيادٍ ليبية على أرض ليبية، والضحية فيها المواطن الليبي التعس ومستقبل ليبيا. لذلك، فإن أي اصطفاف، تحت أي مشروع أو في ظل أي تبريرات مع هاتين الدولتين، أو أي دولة من دول المنطقة التي تلعب على وتر إذكاء حدة الصراع، يعتبر تواطؤاً وخيانة للقضية الليبية.

إن الصراع الذي يجري على أرضنا الآن لا يوجد فيه رابح، فكل المتصارعين خاسرون، ويستحيل أن أجد ما يقنعني بخلاف ذلك، وإذا لم نعِ خطر هذا الصراع، ونقف له بالمرصاد، فإن خطره لن يتوقف في القريب العاجل، بل سيزداد تأججاً، والوضع السوري ليس منا ببعيد.