Atwasat

يوميات مستعادة من أوراق قديمة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 23 يوليو 2019, 12:39 مساء
أحمد الفيتوري

• الثلاثاء 2 يناير 1979م

الساعة الآن الثانية عشرة ظهرا، هكذا أوحت لي الشمس وضجيج الشارع، وأنا أفقت في التو ولم أعرف الوقت بالضبط، لأني لم أحمل ساعة في حياتي، لماذا والعمر ثانية.

كان محمد الترهوني قد غادر الشقة منذ قليل، وكنت وحدي. اتجهت نحو النافذة، نظرت إلى الأفق والبحر، فكرت لو أني على الشاطئ الآخر، لو أني أستطيع أن أسير على الماء مئة ميل فقط فإن "فاليتا" الآن هي الحرية والحضارة والحياة، إنها الفردوس. لكن جارتي البلغارية، كما أعتقد، أطلت من النافذة المقابلة لشقتي فسرقني جسدها الفاره، بمدفعيها المصوبين من صدرها نحو عيني. وسرعان ما انفلتت إلى الداخل وتركتني لمستنقع نفسي. قفلت النافذة وجلست أكتب، أو أكمل أو أفرغ من الشريط بقية الموضوع: رحلة "الهجرة إلى الجنوب" الذي عليَّ أن أسلمه للجريدة هذا اليوم، لأنه سينشر في العدد القادم.

تحرك الشريط، كان مجاهد ليبي يتحدث عن ذكرياته، أيام الحرب مع الإيطاليين، حيث سجن في "بورتا بينتو" الذي سمى الآن "الحصان الأسود"، وكيف خلصته من هذا الجحيم زوجة "القبطان" مدير السجن، حين عشقته فحولته من سجين لخادم لها، ثم أطلقت سراحه، بعد أن حلمت بأن عصفورها الذي يوجد في قفص في غرفتها قد طار، وأن زوجها وضعها في مكانه، فسرت الحلم فأطلقت العصفور العشيق.

في هذه اللحظة رن جرس الباب، دون تفكير قلت هذا صديقي محمد، فتحت الباب كان هناك رجلان:
- الأستاذ أحمد الفيتوري؟
- نعم تفضلوا!

دخلا معي حتى الغرفة التي كنت جالسا فيها، هنالك عدت ببلاهة لجلستي على الأرض حيث كنت أكتب. وقف الرجلان كانا متأنقين، وهما يوحيان بأنهما صديقان أو على الأقل أصدقاء صديق. كان صاحب الشنب مرتبكا فيما الآخر عاديا حد البلاهة.

قال الأبله: أستاذ أحمد البس ملابسك، نحن في حاجة إليك لمدة خمس دقائق.

هكذا بدأت رحلة الدقائق الخمس، كانت هناك سيارة بيجو 404 تنتظرنا في شارع طارق بن زياد، وهي سيارة "تعبانة"، توحي بأن صاحبها مفلس، ولا يستطيع حتى شراء طعامها ما بالك بإصلاحها!. ركبت وكان السائق شابا ضخم الجثة، لكنه خفيف الظل سرعان ما دخل نفسي. وإذا كنت لم أفكر فيمن يكونون فذلك ليقيني بأنهم رجال مباحث، عرفت بسرعة إلى أين المسير، في الطريق بدأ حديث ممزق:

- لا بأس؟
قلت:
- الله لا يوريك باس.
- كنت في الصحراء ؟
- أجبت إيه، في رحلة صحفية لمدة شهر ومسافة ألفين كم
- قرأت رحلة "الهجرة إلى الجنوب"، وبالذات أعجبني التحقيق مع الشاب المخترع الذي يقيم في واحة "مدوين" وحيدا، هل حقا بها مئة ألف نخلة؟
- أجبت أقل من ذلك، ويسكنها اثنان الشاب المخترع وعمره حوالي ثمانية وعشرين عاما، وعجوز عمره ثمانية وسبعين عاما، وتتوفر على ماء جم.
- سألني السائق عن زميلي الشاعر جيلاني طريبشان وهل اسمه حركي؟
- ضحكت مؤكدا أن هذا اسمه وأنه رجباني من الجبل الغربي اسما وجسدا.
- ثم قال إنه يعرف زميلي رضوان بوشويشة
استغربت ملاحظاته، مخمنا أن جريدة الأسبوع الثقافي وجريدة الأسبوع السياسي، مطلوبتان عند المباحث، وأن هنالك أمرا بتوقيفهما، ويتمثل التوقيف هذه المرة ليس بمصادرة عدد منهما، بل في اعتقال المحررين أنفسهم.