Atwasat

خمسون القمر!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 16 يوليو 2019, 12:56 مساء
أحمد الفيتوري

يا قمر علالي، سافري وتعالي
دليني لخوالي، خوالي في ترهونة
ذبحولي فكرونة، فكرونة مجرابة
من تحت الحطابة، ناداني خالي محمد
دخلني لجنانه، وأعطاني رمانة
رمانة زاروصي ، طيحتلي ضروسي.
(من أغاني الطفولة الليبية)  

1-
دهشة تلميذ في السنة الأولى الإعدادية، بمدرسة عمر المختار بمدينة بنغازي، واكبت مشاهدتي لحدث مذهل، وقد وضع أبي جهاز التلفزيون، في الشارع، أمام محله بحي دكاكين حميد، لا أتذكر الآن ضَجةً رافقت المشاهدة، ولا حتى ازدحاما مُبالغا فيه، رغم أن التلفزيون في ذاته كان حينها حدثا، فالتلفزيون الليبي أفتتح في 24 ديسمبر 1968، والحدث المذهل الذي نشاهد في 20 يوليو 1969م. والدهشة التي واكبت الحدث، كانت كما مناظرة بين روسيا السباقة بغزو غاغارين الفضاء 12 أبريل 1961 م، وبين أمريكا التي حرقتها الغيرة من ذلك، فكانت السباقة بنزول أبوللو 11/ نيل أرمسترونج على القمر. وكأنما دهشة التلميذ الذي كنت، وأبناء حي الصابري الذي أسكن، دهشة الإنسان الفائز، لا المستغرب من هكذا فعل إنساني مدهش، رغم أن هناك قلة لا تُذكر في العالم، مصابة بدهشة اللا مصدق لما يحدث.

علّ أن العلم بالشيء كما هو، منقول مباشرة من الأقمار الاصطناعية، قد جعل الفعل العظيم هذا سلسا، وبث في النفوس الحبور، بالتيقن من القدرة البشرية، وأن العلم في قبضتها، كنا ساعتها في مدينتي، قد بتنا في العالم كما أمسي فينا، خطوات أرمسترونج تتقدم على القمر، المحبوب البشري منذ الأزل، ونحن نخطو معه كما ندخل بيتنا.

الفوز يجمع فيما الهزيمة تفرق، لسان حال من كان أمام دكان أبي بدكاكين حميد، يشاهدون علي الشاشة، وقع أقدامهم على أرض يحبونها، القمر أصبح تحت إقدامنا وفي أيدينا: القمر ساعتها أضاء مستقبلنا، ما كان بعد هيروشيما معتما لدرجة الظلم.  

دهشة التلميذ ساعة النزول على القمر: أن أول إنسان تطلع إلى القمر مذهولا، هو نفسه الذي الآن وهنا في منزل القمر. بالإمكان أبدع من هيروشيما، بالإمكان الأبدع، لسان حال، الساعة، أبناء حي الصابري من شاهدوا الحدث، في مدينة بنغازي عبر شاشة جهاز تلفزيون أبي...

2-
يوليو 2019م مازال التلميذ تلميذا، في سفر العلم وتاريخ البشرية، ولم تغادره تلكم الدهشة. وذلكم النصر المذهل لم يهزم مفاعيل هيروشيما، المفاعيل انتشرت وتفاقم الخطر، ومنذها الخطر الذي بات وشيكا بقي كذلك، فيما مكنة أن يجتاز الإنسان نفسه، وينتصر، زادت أيضا.

طفحت الحروب الصغيرة حتى طالت جسد بنغازي، ومن شاهد النزول، في منزل القمر منذ خمسين حولا، شاهد حرب الشوارع في الصابري، والصواريخ تطال دكان المشاهدة بدكاكين حميد، شاهد الإرهاب بأم عينه التي شاهدت النزول على القمر. 

لكن التلميذ المندهش ساعتها، كان يشاهد أيضا حرب فيتنام، يشاهد أمريكيا آخر، يُنزل النبالم على هانوي، والتدخل الإمبريالي الأمريكي السافر، في فيتنام وغيرها من بلدان الأرض. أرمسترونج يحط خطوات الإنسان الأولي على أرض القمر، وجونسون يدوس بخطواته المرعبة، الأرض الفيتنامية ويهرس البشر. فالنزول على القمر لم يجب ما قبله، ولا غيره مما سيحدث بعده كليا، لكن هذا وذاك لم يمنع، أن أرمسترونج قد نجح، أن أول إنسان تطلع إلى القمر، طلع القمر.

قولة الفيلسوف الإيطالي غرامشي، حول تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، ما يختزل دلالة الرحلة إلى القمر، العقل قال، عند انفجار هيروشيما النووي، القيامة الآن، لكن تفاؤل إرادة الإنسان الياباني، ما ساهمت في وضع خطوة أرمسترونج على القمر، في تلكم اللحظة الاستثنائية كان (هوشي منه) تحت وابل الفانتوم...
ما رآه التلميذ المندهش من انتصار إنساني، ساعة ولوج منزل القمر، حققه انتصار اليابان على هيروشيما، ثم فوز (هوشي منه)، وما تحقق منه التلميذ، تفاؤل الإرادة رغم تشاؤم العقل: خطوة أرمسترونج في منازل القمر، فتحٌ مبين في منازل الفضاء الإنساني...