Atwasat

هبة الخيال

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 14 يوليو 2019, 03:50 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

تولد الخيال لدى الإنسان منذ أن أخذ ينفصل عن الطبيعة ويصارعها بغية إخضاعها لاحتياجاته، بدلا من الخضوع الكامل لها. أي محاولته أن يقف، ليس ندا للطبيعة، وإنما سيدا لها. وهذا يعني افتراقه عن دنيا الحيوان في الناحية المعيشية والنفسية والعقلية والسلوكية.

لن نخوض هنا في تعريف الخيال، وسنكتفي بوصفه على أنه طاقة ذهنية يرتفع بها العقل الإنساني عن ضغوط الواقع وإلزاماته، ليبتكر حلولا يتفلت بها من هذه الضغوط والإلزامات، وليفكر في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. وباختصار، يمكن تعريف الخيال بأنه: التفكير في ما وراء الواقع، انطلاقا من الواقع.
وإذن، يمكن اعتبار الخيال نقيضا للواقع، دون أن ننسى أنه يظل مشدودا إليه بوشائج ما.

وللخيال تجليات متنوعة ومتعددة. في البداية لم يكن الخيال منفصلا عن المعتقد الغيبي (الذي هو خيالي، أو تخيلي، بطبيعته). فاعتقاد الإنسان البدائي بوجود قوى لا مادية، غير مرئية، تتحكم في الطبيعة وفيه، قاده إلى اختراع السحر الذي ادعى (تخيل) البعض أنهم يمتلكون مقوماته الروحية والعقلية لترويض هذه القوى، المعادية للإنسان بطبيعتها، والتفاوض معها من أجل عدم عرقلته في تحقيق مساعيه.

والخيال طاقة خلاقة تحفز قوى الإنسان، عن طريق الوهم (الخيال) أحيانا. فالصيادون البدائيون الذين كانوا يقومون برقصات طقوسية سحرية يتخيلون فيها قتل الحيوان، يذهبون إلى الصيد مستبشرين ومتحمسين وفي حالة من النشاط تجعلهم يقومون بعمليات الصيد على نحو أكثر كفاءة. وبالتالي يكون وهمهم (خيالهم) هذا قد أدى دورا إيجابيا في هذه العملية.

جميع المخترعات والابتكارات، البسيط منها، كالكوب مثلا، إلى الروبوت المستقل، القادر على برمجة نفسه ذاتيا ومزاحمة الإنسان خالقه، إنما هي ثمرة شجرة الخيال عالية الخصوبة.

هذا، إلى جانب دور الخيال الرئيسي في مجالات الفنون والآداب المختلفة، بداية من الأساطير (التي هي أدب ديني) والحكايات والخرافات (التي تحمل في طياتها تسلية وعبرا وعظات) وصولا إلى الرواية والسينما.

كما أن للخيال جانبا شخصيا سريا، يتعلق بخصوصياتنا كأفراد، يحدث، إلى حد ما على الأقل، توازنا نفسيا. مثل الاستيهامات (الخيالات أو التخيلات) الجنسية. أو أن أكون قد تعرضت إلى ضيم، مثلا، من شخص ما لا أستطيع ردعه ومعاقبته في الواقع، فألجأ إلى الخيال، بحيث أتصور نفسي أعاقبه وأذله. فيحدث ذلك نوعا من التشفي والرضا النفسي، المؤقت، من خلال إفراغ هذه الشحنة الانفعالية.