Atwasat

الحملات الانتخابية وأشياء أخرى

جمعة بوكليب الإثنين 08 يوليو 2019, 12:18 مساء
جمعة بوكليب

حين وقفت أمام كشك بائع الجرائد، صباح ذلك اليوم، لاقتناء واحدة، استرعىت انتباهي صورة كبيرة، تتصدر الصفحات الأولى، في كل الجرائد، بدون استثناء، لرجل يرتدي بدلة، مبتسماً، وحاملاً بين يديه كلباً صغير الحجم، كثيف الشعر. الصورة عادية. وما كانت لتثير انتباهي لولا أنها منشورة في كل الصحف. حين أمعنت النظر، في صورة الرجل عرفته. وشعرت بمزيج من شفقة وأسى نحو الكلب، الذي كان، بكل براءة، يبدومغتبطاً في الصورة، وهو يمد لسانه مُقَبِلاً الرجل.

لوكنت أنا صاحب ذلك الكلب، لما تركت الرجل يحمله بين يديه أصلاً. لكن على افتراض لو أن الأمر كان خارج سيطرتي، لكنت أخذت الكلب مباشرة، بعدها، إلى أقرب طبيب بيطري للتأكد من سلامته، وعدم إصابته بأي جراثيم، أو عدوى مهلكة، تكون قد انتقلت إليه، خلال تلك اللحظات، من أنفاس الرجل.

الرجل، الذي كان يظهر مبتسماً، في الصورة، ليس رجلا عادياً، بل أحد مترشحين اثنين لزعامة حزب بريطاني عتيد، حزب المحافظين، ومن المتوقع فوزه ليكون رئيساً لوزراء حكومة صاحبة الجلالة الملكة اليزابيث الثانية. والأصوات التي ستوصله إلى استلام مفاتيح 10 داوننج ستريت، مقر مكتب رئيس الحكومة لا تزيد عن 160 آلف صوتاً، حصيلة مجموع أعضاء حزب المحافظين، الممنوحين حق التصويت، وفقا للوائح التنظيمية الداخلية للحزب. لكن نتيجة تصويتهم الحزبي، ستمنح الفائز، من المترشحين، تولي أمر بلاد يبلغ عدد سكانها 66 مليون نسمة!!

الرجل الذي في الصورة، سياسي"غير تقليدي، ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته. ويحب ثني و ليَّ القواعد والنظم، وثمة ادعاءات معقولة حوله بالغش في الماضي." حسب شهادة ستيفن جلوفر وهومعلق صحفي يميني معروف، المنشورة بصحيفة الديلي ميل، وهي من أكثر صحف اليمين المحافظ انتشاراً.

تجربة الحياة في الغرب، تعلم صاحبها الكثير من الحقائق إن توفر لديه فضول للتعلم، خاصة على المستوى السياسي، إن كان مهتماً بهذا الجانب.

أولها: إن ظهور صور لسياسيين في وسائل الإعلام، يلاعبون أطفالا، أو كلاباً يعني أن البلاد تهيء نفسها لإجراء انتخابات عامة، وأن السياسيين الذين يحرصون على الظهور في وسائل الإعلام المختلفة، هم في خضم حملة انتخابية، على أمل أن تقودهم إلى التربع على كراسي السلطة، وصنع القرارات.

ثانيها: إن فترة الحملات الانتخابية، هي أكثر الفترات التي تتاح فيها للناخبين سماع أكبر عدد ممكن من الأكاذيب، وأكثر عدد ممكن من الوعود، وأقل قدر ممكن من الصدق، ولا مكان للحقيقة فيها.

ثالثها: إنها الفترة الوحيدة التي من الممكن أن يرى فيها الناخبون سياسييهم في الشوارع، والأسواق، وفي النوادي، والساحات، وتتاح، لمن أراد منهم، فرصة إنزال الشتائم والسباب بهم، أو قذفهم بالبيض والطماطم، والعصائر..إلخ.

رابعها: فترات الحملات الانتخابية هي فترات ازدهار الفضائح، وفتح الخزائن السرية الشخصية للسياسيين ليرى الناخبون ما تضم داخلها من جثت متعفنة، وخيانات زوجية مبتذلة، وسرقات للمال العام... إلخ.

خامسها: ينصح بتجنب وسائل الإعلام خلال فترة الحملات الانتخابية لكل مواطن/ ناخب يعاني من أمراض ضغط الدم، والسكري، والنرفزة العصبية، وينصح بتجنيب الأطفال والكلاب الاقتراب من السياسيين.

سادسها: اختفاء صور السياسيين من وسائل الإعلام دليل على انتهاء الانتخابات، وعودتهم إلى حيث تعودوا العيش، وممارسة طقوسهم الحياتية، بعيداً عن دواخ الحملات الانتخابية، وزحام الناس، وصراخ الأطفال، وتقبيل كلاب، ومماحكات خصوم.

السلسلة مازالت طويلة، ولاتكفيها المساحة المتاحة لهذه السطور، والقليل الذي عرضناه كاف لأن يجعل العديدين يصابون بإحباط شديد، وكاف لأن يجعل آخرين يطرحون ما قد ينبثق في أذهانهم من أسئلة، وهي كثيرة، وباعثة على إعادة التفكير في أسس العلاقة التي تربط بين النخبة السياسية وقواعدها الاجتماعية، وبين ما يقال ويعرض في وسائل الإعلام، وما يحدث فعلياً وراء الكواليس، والأهم إلى أين يقود.

في سنوات الدراسة الجامعية، وخلال إحدى الحلقات الدراسية، دار نقاش حول موضوع ما، لم أعد أذكره، يتعلق بسياسة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان. وأثير خلال النقاش الكثير من الجدل والاختلاف بين الطلبة، وأذكر أن زميلا لنا، توجه نحو الأستاذ قائلاً إن الرئيس ريجان أدلى بتصريح كاذب في تلك المسألة. فابتسم الأستاذ، ورد على الطالب قائلاً يابني إنهم يدفعون لهم لكي يكذبوا.

فضحك الحاضرون جميعا لرده، لكن الأستاذ لم يكشف لنا، في رده، آنذاك، عن الذين يدفعون للسياسيين كي يكذبوا. ويبدو أنه ربما ترك الباب مفتوحاً، قصداً، على أمل أن نصل، بعد سنوات، لمعرفة الإجابة، من الواقع الحياتي.
أقول ربما.