Atwasat

الوظيفة الحضارية والاجتماعية للمجرم

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 07 يوليو 2019, 01:22 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

تقوم الرؤية العلمية على اكتشاف ما هو ماثل خلف الظواهر. أي اكتشاف الجوهر الخفي للظاهرة. وقد أكد ماركس أنه لو تطابق جوهر الأشياء ومظهرها لانتفى العلم وأصبح مستحيلا (1: 184)*. فبالعلم تبين، مثلا، أن الأرض هي التي تدور حول الشمس في الحقيقة، وليس العكس مثلما يبدو لنا.

كما أن تأملات المفكرين والفلاسفة والأدباء تكشف لنا أحيانا عن حقائق طريفة، بقدر ما هي صادمة لأحلامنا وآمالنا وتطلعاتنا.

في رسالة أرسلتها من السجن إلى صديقة لها، تقول روزا لوكسمبرغ* "أعلم أنك تشعرين بالمرارة بسبب اعتقالي الذي دام طويلا، وتسألين ‘‘كيف يجرؤ البشر على تقرير مصير إخوانهم؟ أي معنى لذلك؟‘‘ لا تستائي إن قلت إنني أضحك وأنا أقرأ هذه الكلمات [...] يا عصفورتي الصغيرة، إن تاريخ الحضارة بأكمله (والذي وفقا لتقديري المتواضع، يمتد على مدى نحو عشرين ألف سنة) يرتكز على فكرة ‘‘البشر الذين يقررون مصير إخوانهم‘‘. إنها ممارسة متجذرة بعمق في الشروط المادية للوجود الإنساني. لا شيء سوى تطور آخر شاق وأليم يمكنه تغيير هذا الواقع"2.

وفي تأمل لماركس حول أن المهن جميعا يمكن أن تكون منتجة، يورد تأملا باهرا وطريفا حول إنتاجية المجرم!. يقول بالخصوص "ينتج المجرم جرائم. وإذا أمعنا النظر في الصلة بين هذا الفرع الأخير من الإنتاج والمجتمع ككل، فسوف نطرح عنا كثيرا من ضروب التحيز. فالمجرم لا ينتج الجرائم وحسب بل القانون الجنائي، ومعه الأستاذ الجامعي الذي يلقي محاضرات في القانون الجنائي وعلاوة عليها الكتاب الأكيد الذي يطرح فيه هذا الأستاذ الجامعي محاضراته في سوق ‘‘السلع‘‘ العام..."(1: 181- 182).

ويستطرد قائلا "يمكن أن نبين ما يتركه المجرم من آثار ومفاعيل في تطور القدرة الإنتاجية. فهل كانت الأقفال لتبلغ قط ما بلغته الآن من درجات الإتقان لو لم يكن هناك لصوص؟ وهل كانت صناعة الأوراق النقدية لتبلغ ما بلغته اليوم من الكمال لو لم يكن هناك مزورون؟"(1: 182).

المجرم أنتج أيضا الشرطة والمحققين ووكلاء النيابة والقضاة وحراس السجون. وإذا سمحنا لأنفسنا بمد أفق تأملاتنا، أنتج المجرم أدب الجريمة والأدب البوليسي وما انبثق عن ذلك من أفلام سينيمائية ومسلسلات تلفزيونية...

الهوامش والمراجع:
Rosa Luxemburg * (1871 - 1919). منظّرة ماركسية وفيلسوفة واقتصادية واشتراكية ثورية من أصول بولندية يهودية وأصبحت مواطنة ألمانية. انتمت إلى عدة أحزاب اشتراكية وشيوعية، واغتيلت عن عمر 47 سنة.
** يشير الرقم الأول إلى المرجع في القائمة أدناه، ويشير الرقم الثاني (أو الأرقام الثانية) إلى رقم الصفحة المأخوذ عنها.
1- ثائر ديب، ماركس هجاء: الأدب مدخلا لتلقي ماركس. بدايات (كتاب غير دوري 22- 2019)، بيروت- القاهرة. ص 184.
2- رسائل روزا من السجن: المرأة التي تفهم لغة الطير. م. س. ص 70.