Atwasat

الأموال الليبية في الخارج بين الربح واللعب على تجميدها (2)

محمد المغبوب الإثنين 01 يوليو 2019, 02:18 مساء
محمد المغبوب

لم يكتف الإسبان بطرد العرب من بلادهم عند سنة 1492 وهو العام الذي أبحر فيه كولمبس ليصل إلى شاطئ أمريكا بمساعدة خرائط المحيط التي وضعها العلماء العرب، وكذلك البحارة الذين استعان بهم في رحلته، بل أخذوا يتبعونهم حتى إلى آخر نقطة لهم وهي تاجوراء الضاحية الشرقية لمدينة طرابلس إذ بقوا في ليبيا حتى سنة 1955.

لم يكن العرب وحدهم الذين فروا من الماء والخضرة والوجه الحسن بل اليهود أيضاً، فمنهم من بقى في ليبيا ومن مد الخطوات إلى مصر والشام والجزيرة العربية. هكذا تم وجود اليهود في بلادنا وتوزعوا على المدن، منها في الغرب زوارة والزاوية وطرابلس وترهونة وغريان ومسلاتة على سبيل المثال. كذلك سنة 1948 عند النكبة الأولى خرج اليهود كما خرج العرب وتوزعوا في أكثر من مكان.

هكذا وجدنا اليهود في ليبيا إذ صاروا مواطنين ليبيين يعيشون جنباً إلى جنب من حولهم بمن فيهم الأتراك حين غزونا ومن بعدهم الطليان وفيما بدا لنا أن العلاقات كانت غير عدائية بين السكان الأصليين والمستوطنين حتى بدأ المشروع الصهيوني الذي أراد تغيير الديموغرافيا حيث فتحت الدول المناصرة للمشروع أبوابها ونوافذها نحو ترحيل يهود العالم إلى فلسطين ووجدنا بعد نكسة سنة 1967 ازدياد التدفق اليهودي على فلسطين، حيث كما يقال ثار الليبيون على اليهود وتم طردهم ومذ ذلك العام خلت ليبيا كلها من أي يهودي وبقى سكانها فيها ليعود كل ما تم الاستيلاء عليه إلى الدولة الليبية حيث وزعتها على المواطنين حسب الحاجة وعلى ذلك النحو تشكلت الملكية ومرت بمراحل عدة عبر سياسات زراعية وعمرانية وعرفنا أراضي شاسعة بآلاف الهكتارات بأسماء ملاكها، وهنا أشير أيضاً إلى كيفية تكوين بدايات الإقطاعية ورؤوس الأموال ووجهاء القوم كذلك وأعيانهم.

بذلك المد والتشكل لم تعرف ليبيا المسيحية إلا بعد الاحتلال الإيطالي فقد كان بيننا وبينهم خط وهمي لا نتجاوزه فلم نتعلم لغتهم أو نتزوج من نسائهم وقد نزعوا منا الأرض والعمران مع حريتنا حتى تمت عودتهم وضمت الحكومة الملكية ما تركوه لنا ثم أعادت توزيعيه، وبعد ذلك عاد لنا كل ما اغتصبوه منا بعد أن تم ترحيلهم في سبعة أكتوبر أثناء النظام الجمهوري ليعود إلى الدولة وليتم توزيعه أيضاً أرضاً وعمراناً.

بإيجاز هكذا تم الاستلاء على الممتلكات كما تمت إعادتها وفق توزيع خضع إلى الكثير من الاعتبارات. ضمن هذا كله وجدوا اسم عائلة غرغور وأرضه بمساحة كبيرة جداً يتقدم الورثة الآن ليحجزوا بحكم محكمة مصرية على مبلغ 262 مليون دولار كتعويض على الأرض التي تم نزعها منهم وينفذون الحجز من أسبوع مضى بالدعوى القضائية التي رفعتها تحت رقم 2236 لسنة 2018 مدني كلي جنوب القاهرة.

الأمر قد يشي بأشياء عدة أولها وجود العائلة في ليبيا وكيفية امتلاكها الأرض فهي حسب بعض المعلومات أنها من أصول شامية وفلسطين تحديداً من الذين خرجوا سنة 1948 وأقامت في مصر وجزء منها ذهب إلى ليبيا فهي على هذا الأساس ليست عائلة ليبية ولم يتم منحها الجنسية، ووجودها باعتبار إقامتها لا يمكن أن تمتلك هذا الكم الشاسع من الأرض كلها وتصير خلال سنوات قليلة عائلة إقطاعية بحجم 190 هكتاراً، وعلى افتراض منح الأراضي للاستزراع فهذا لا يعني ملكيتها لها، مع هذا فهي قد تقدمت بدعوى قضائية في المحاكم البلجيكية 2006 سنة ضد الدولة الليبية مطالبة بتعويضها عن مصادرتها منها أثناء العهد الملكي وحكمت لها حكماً بالتعويض مبلغ ملياري وثلاثمائة مليون دولار غير أن بعض الخيرين في القضاء الليبي استطاعوا إبطال الحكم والحكم لها بمبلغ 65 ألف دينار ليبي أي ما يساوي تقريباً 200 ألف دولار حينها.

ما يثير الشكوك والريبة هو سرعة الوقت، ووقت الوضع في ليبيا ثم ما لحقه لتنفيذه بالحجز على كافة شركات الاستثمار الخارجي والمصرف الخارجي والسفارة الليبية والمندوبية الليبية وشركة توم أويل لتوزيع النفط وهو ما أربك سير العمل وتجميد الودائع والحسابات باعتبارها أموالاً ليبية، وأخيراً الحجز على حساب مصرف ليبيا الخارجي بالمبلغ وفتح حساب باسم العائلة في بنك قناة السويس.

مع توكيدي لنزاهة القضاء المصري ونزاهته واستقلاله التام فهو يحكم بما لديه من أوراق تشكل وثائق ومستندات يحكم بها في عدم وجود غيرها ما يفندها ويبطلها، وهو الذي فيما أتصوره ما لم تقم به دفوعات الجانب الليبي، بل حتى رفع قضية رفع الحجز عن الشركات الليبية بتراخيص وهوية مصرية طالها الحجز لم تنل حكماً لصالحها حتى تم الحجز ورفعت بعض البنوك حجزها على حسابات شركات الليبية للاستثمارات الخارجية الذي قابل مديرها العام في وقت سابق مديرة هيئة الاستثمار المصرية ليكون لها فعل إيجابي لا يضر مصالح الشركة، لكن لم ينجح الأمر ربما بدعوى أن القضاء مستقل والكلمة له.

على المستوى الشخصي بدا لي هذا التصرف مخيفاً، وأن استثماراتنا في مصرف قد تواجه خطراً.

في ظل قانون الاستثمار المصري لأن هذه القضية قد تكون بالونة اختبار تتعلق بالسياسة لا بالقضاء المصري النزيه تم إطلاقها من هناك.

ذلك أن الوضع في ليبيا يفتح الشهية على هلع وجشع وأساليب العصابات المنظمة التي قد تغش القضاء بأوراق مزورة هدفها الاستيلاء على الأموال الليبية في مصر وفي غيرها من بلدان برفع قضايا مماثلة. الأمر يبدو لي ذو حلقات عدة محكمة الربط أتت أكلها وقد تتكرر في أكثر من مكان وتوقيت.

إن مقدمة هذا المقال تشير إلى عائلة ليست ليبية تهبها الحكومة أرضاً هكذا هو أمر في غاية السذاجة، فهي ليست مواطنة ليبية ولا حتى من اليهود الداخلين من أبواب عدة، وأن ليبيا ما من مواطن فيها يعتنق المسيحية كدين له، فالسكان بين أصليين وبين عرب ويهود عادوا من الأندلس ولا أسرة يمكن أن تمر بليبيا وتمتلك فيها متراً من أرضها لا آلاف الهكتارات.

على ذات النسق فلا يخفى على أحد نشاط الجماعات في تحصيل التمويل لأسباب سياسية تخترع عدة أساليب للنيل من الأموال الليبية، ولا أحد منا ينكر حق أحد على أحد بالقانون وبالعرف أيضاً، فتحقيق العدل غايتنا جميعاً حسب القانون وعدل الله تعالى، لا بالنصب والاحتيال، ولا أحد منا قد يثيره حكم المحكمة لعائلة غرغور إذا ما تم رفع القضية بنفس حيثياتها إلى القضاء الليبي وحكم لصالحها، لا أن ترفع في بلجيكا ثم أخيراً في مصر وهو ما أثار حفيظتنا وإثارة الأسئلة حولها.

إن اللوم الأكثر أقدمه إلى هيئة القضايا الإدارية في ليبيا, كذلك المؤسسة العامة للاستصلاح الزراعي التي تضم كل الملفات والوثائق للأراضي الزراعية، ومصلحة السجل العقاري في طرابلس عبر قناة الخارجية الليبية التي لم أرها تحرك ساكناً وكأن لا شيء يعنيها، وفي كل الأحول فالأمر لا يتعلق بالمبلغ بل في المبدأ العام شكلاً وموضوعاً، فليس من الجيد ممارسة فعل الفرجة على مال عام لنحافظ عليه عبر مؤسسات عامة وبطرق مشروعة.

خــــــــــــــــتاماً
الحق لا يسقط بالتقادم مهما طال زمن فقدانه أو ضياعه لأكثر من سبب، حتى ونحن نشاهد كل يوم عمليات السطو والحرابة ومحاولات بعض الدول تجميد أو الحجز على أموالنا في بلدانها عبر أساليب سافرة ومشبوهة، كما نتذوق طعم العلقم كلما نشاهد أحدنا يعين غيره على سلبنا أو هو لا يبالي بما يحدث ولا يفعل شيئاً، ومهما يكن من أمر فكل لعبة ستنتهي وسيكتشف أمرها وكذلك لا عبيها.