Atwasat

قطر والإمارات: المتشابه والمختلف (4/1)

أحمد معيوف الأحد 30 يونيو 2019, 12:53 مساء
أحمد معيوف

لقد كثر الحديث عن قطر ونقدها، وبدرجة أقل عن الإمارات، وانبرت الأقلام في النيل من قطر ومن التيار الإسلاماوي الذي تدعمه قطر، وبالتأكيد للإمارات خصوم انبرت الأقلام وسال الحبر في نقد تدخلاتها. طبعا، بصفتي ليبياً، وفي الوضع الراهن، لا يهمني كل ما تعج به الإذاعات والصحف، وما يسطره الكتاب عن قطر والإمارات، بقدر ما يهمني تقييم دور هاتين الدولتين القزمتين (اللتين لا تكادان تظهران على خارطة العالم لتضاؤل مساحتيهما الجغرافية ولهما حضور صارخ على المستوى الدولي) على ليبيا، هذه المقالة تتحدث عن قطر والإمارات من باب معرفة العدو.

قطر والإمارات: المتشابه
دولة قطر، ككل الدول العربية، إمارة كانت أم جمهورية، تحكمها عائلة، الحكم فيها وراثي، تنعدم فيها التعددية السياسية، وليس فيها قانون يسمح بإقامة الأحزاب، تشترك مع السعودية وجل منطقة الخليج بتبني المذهب الوهابي المحافظ. يبلغ عدد سكان قطر 2.6 مليون نسمة، ولا يتجاوز عدد القطريين 15% من هذا العدد (أقل من نصف مليون قطري). تملك قطر ثالث أكبر احتياطي عالمي من الغاز، وهي المصدر الأول للغاز المسال، وأغنى دول العالم (ترتيبها الأول في الدخل حسب مجلة «بيزنس إنسايدر- Business Insider» الأمريكية)، ويفوق عدد أصحاب الملايين فيها 10% من عدد السكان. وحسب مؤشر الشفافية العالمية فإن ترتيبها يأتي في المرتبة 20 في قائمة الدول المشمولة والبالغ عددها 176 دولة، أي أن نسبة الفساد السياسي فيها متدنية بالنسبة لدول العالم حسب مؤشرات الفساد العالمية. متوسط دخل الفرد يقارب 130 ألف دولار سنوياً. وتصنف قطر من قبل الأمم المتحدة الدولة العربية الأكثر تقدماً في مجال التنمية البشرية، كما تعتبر لاعباً رئيسياً مؤثراً في منطقة الشرق الأوسط، وحسب تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي تحتل قطر المرتبة 18 في مؤشر التنافسية من بين 138 دولة شملها التقرير. كانت قطر محمية بريطانية منذ بداية القرن الماضي، ونالت استقلالها في عام 1971 م بعد أن أعلنت بريطانيا تخليها عن محمياتها الخليجية.

بالنسبة للإمارات العربية، تقريباً لا تختلف كثيراً عن قطر، دولة اتحادية تكونت عن اتحاد سبع إمارات صغيرة تطل على الخليج، وهي إمارة أبوظبي أكبر الإمارات حجماً وسكاناً، تليها دبي، فالشارقة، رأس الخيمة، عجمان، الفجيرة وأم القيوين. ولكل إمارة أميرها، ويشكل الأمراء مجلس للحكم يترأسه أمير أبوظبي. يقترب عدد سكان الإمارات من 6 ملايين نسمة، يشكل الإماراتيون نسبة 16% من هذا العدد (أقل من مليون إماراتي). تعتبر الإمارات من أهم مراكز الاقتصاد العالمي، ومدينة دبي مركز لهذا الاقتصاد. يفوق متوسط الدخل السنوي 60 ألف دولار، وهي بذلك تحتل المركز التاسع في العالم، والمركز 24 في مؤشر الشفافية العالمي، وحققت الإمارات مؤشراً تنافسياً عالياً وضعها في المرتبة 16. كانت الإمارات العربية كدولة قطر محمية بريطانية منذ بداية القرن الماضي، ونالت استقلالها في عام 1971م.

وفي حين كانت علاقات إسرائيل صريحة مع قطر التي بدأت مع مؤتمر مدريد الذي رعاه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في عام 1991 م بعد حرب الخليج الثانية، وقد تم أول لقاء قطري - إسرائيلي في الدوحة حين زار شمعون بيريز قطر عام 1996، وافتتح المكتب التجاري الإسرائيلي الذي يعد بمثابة سفارة إسرائيلية في الدوحة، ووقع اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل، ثم توج بإنشاء بورصة الغاز القطرية في تل أبيب. فإن العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية لم تكن على نفس القدر من الصراحة حتى الآن، فلا توجد علاقات طبيعية معلنة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل؛ فالإمارات العربية المتحدة لا تعترف بإسرائيل كدولة، ويحظر على حملة الجوازات الإسرائيلية دخول الإمارات. إلا أن ذلك لم يمنع من حضور عوزي لانداو، وزير البنية التحتية الإسرائيلي، مؤتمراً لوكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة في 2010، كانت هذه الزيارة هي الأولى على المستوى الرسمي، لحق هذه الزيارة زيارة أخرى لسيلفان شالوم، وزير الطاقة الإسرائيلي، للمشاركة في مؤتمر لنفس الهيئة الأممية.

وفي 29 نوفمبر 2015، صرحت وزارة الخارجية الإسرائيلية بنيتها افتتاح ممثلية لإسرائيل في وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة في أبو ظبي. وهو ما دفع وزارة الخارجية الإماراتية إلى التأكيد على أن هذه الخطوة لا تمثل تغيراً في موقف الإمارات من إسرائيل. ولعل قيام وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف بزيارة للإمارات وتجولها في مسجد الشيخ زايد نظر إليه باعتباره صورة من صور التطبيع بين البلدين. الخلاصة، أن الإمارات لا تختلف عن قطر في قوة ومتانة علاقاتها بما كان يسمى «الكيان الصهيوني»، وكان يعتبر «العدو الأول للأمة العربية».

كذلك هناك تشابه كبير في الانقلابات التي حدثت في كل الدولتين، وبين أعضاء الأسرة الحاكمة. ففي قطر كان أول انقلاب يعود إلى العام 1960م، حيث عهد الشيخ حمد بن عبد الله بسبب كبر سنه حكم قطر إلى شقيقه الشيخ على بن عبد الله على أن يعود إلى ابنه خليفة. إلا أن الشيخ علي سلم الحكم إلى ابنه أحمد في نفس العام الذي تولى فيه الحكم، وبالتالي لم يحافظ على عهده لأخيه. في بداية عام 1972 انقلب خليفة بن حمد على ابن عمه أحمد بن علي واسترد حكم الإمارة، وعين خليفة ابنه الشيخ حمد بن خليفة وزيراً للدفاع عام 1977، الذي بدوره انقلب على أبيه في سنة 1995 وقام بعزله مباشرة بعد مغادرته الدوحة في زيارة إلى أوروبا. وفي عام 1996 حاول نجل حمد الأكبر من زوجته الأولى، الشيخ فهد الانقلاب على والده عام 1996، انتصاراً لجده ولكنه فشل في خطته، وعزل هو وشقيقه مشعل من جميع المناصب، ووضعوا قيد الإقامة الجبرية. وفي عام 2009 فشلت محاولة انقلاب جديدة في قطر، برز خلالها اسم حمد بن جاسم ابن عم حمد بن خليفة.

في الإمارات كان الوضع مختلفاً قليلاً، ففي حين لم ترتكب أعمال قتل ضد الانقلابيين في قطر، إلا أن الإمارات التي هي أيضاً تعددت فيها الانقلابات، كان الموت نصيباً للانقلابيين. وصل عدد الانقلابات في دولة الإمارات إلى 12 انقلاباً، وحظيت مشيخة أبوظبي تاريخياً بالنصيب الأكبر من هذه الانقلابات. كانت أولى محاولات الانقلاب اغتيال حاكم مشيخة أبوظبي الشيخ ذياب بن عيسى بن نهيان عام 1793م، وتولى الحكم بعده نجله الشيخ شخبوط الذي نقل الحكم لابنه البكر محمد. حكم محمد بن شخبوط مدة عامين أعلن في أعقابها موته (أو قتله) ليتولى بعده شقيقه طحنون الحكم عام 1818م وانتهى حكمه باغتياله عام 1833م ليتولى بعده شقيقه خليفة بن شخبوط والذي لقى مصير أخيه أيضاً وتم اغتياله عام 1845، باغتيال خليفة تولى حكم المشيخة ابن أخيه سعيد بن طحنون، واستمر الحكم في أسرة بن نهيان حتى وصل إلى حمدان بن زايد الذي حكم في الفترة بين 1912 و1922م وانتهت فترة حكمه باغتياله على يد أخيه سلطان. انتهى حكم سلطان عام 1926 باغتياله على يد أخيه صقر فحكم لمدة 3 سنوات انتهت باغتياله على يد ابن أخيه شخبوط بن سلطان الذي استمر في الحكم منذ ذلك الحين حتى عام 1966.

في عام 1966 بدأت مرحلة جديدة في دولة الإمارات إلا أنها لم تنه الانقلابات، حيث صدر قرار بتعبين زايد بن سلطان آل نهيان رئيساً للبلاد، وقام بالتعاون مع راشد آل مكتوم حاكم دبي بالتفكير في توحيد الإمارات السبع، ووجهت الدعوة أيضاً إلى قطر والبحرين، فتكون اتحاد الإمارات العربية بشكلها الحالي بعد أن رفضت كل من قطر والبحرين الانضمام إلى الاتحاد.

توفي الشيخ زايد بن سلطان في العام 2004، وتولى بعده ولي عهده ونجله خليفة بن زايد آل نهيان، إلا أن دور الشيخ خليفة تقلص في انقلاب أبيض قام به أخوه محمد بن زايد الذي يعتبر الحاكم الفعلي لدولة الإمارات.

تكاد قطر والإمارات تتشابه لحد التطابق، ولا يتوقف هذا التشابه فيما ورد، بل يتعداه إلى دور أكبر يتمثل في أطماع ومطامح هاتين الدولتين في لعب دور ريادي عالمي، تحاولان فيه استخدم نفوذيهما المالي وعلاقتهما لتحقيق هذا الدور.
يتبع .......