Atwasat

خدعوك فقالوا: حلّ المسألة الليبية شأن داخلي!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 25 يونيو 2019, 01:09 مساء
أحمد الفيتوري

1-
هبَّ الليبيون لإغاثة غات، الواحة الليبية التي تقع في أقصى الجنوب الغربي، لدرء عواقب كارثة السيول التي اجتاحتها مؤخرا، الكارثة ذكرتني بأن الكوارث الطبيعية أيضا، لم تعد لأسباب محلية!، فالهجرة التي فرضت في العقدين الأخريين على سكان أفريقيا، يُرجع علماءُ أسبابها الرئيسة للاحتباس الحراري، الذي من مكوناته الأساس في تقدير أولئك العلماء، عبث الدول الصناعية الكبرى بمناخ الكرة الأرضية. 

ذا التذكر جعلني أستعيد مقالة كتبتها ونشرتها ببوابة الوسط الأربعاء 31 مايو 2017م ،تحت عنوان (خدعوك فقالوا أن ما يحدث في ليبيا مسألة داخلية!)، ما يُمكن للقارئ المُهتم مطالعته في هذا الرابط:http://alwasat.ly/news/opinions/134404?author=1#.XQ7xgwxiulA.f ومسألة أن الحروب ليست مسألة داخلية فحسب، مسألة تُبينها أي دراسة أو بحث يهتم بمسألة الحرب في العصر الحديث، وكذا ما يخص الحرب الأهلية. فأخيرا وفي مقابلة بتلفزيون روسيا اليوم، وكد المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة البُعد الدولي للحرب الليبية الأهلية، وتداخل النفوذ والمصالح الأجنبية في إشعال واستمرار هذه الحرب، ووضح أن هذا الأمر لا يخُص المسألة الليبية، بل إنه من خصائص أي حرب في العصور الحديثة، سوى كانت حربا خارجية بين الدول، أو حربا داخلية بين أبناء الدولة الواحدة.

والوقائع الدامغة في المسألة الليبية جلية، فقد بدأ التدخل الدولي بقرارين لمجلس الأمن يخُصان ليبيا، بل إن فرنسا، التي حافظت على أن تكون (جوكر) المسألة الليبية، قبل ساعات من صدور القرار 1973 في مارس 2011م لحماية المدنيين، ضربت جويا كتائب القذافي المسلحة، المُستهدفة استعادة السيطرة على مدينة بنغازي وبقية الشرق الليبي. 

بهذا انحاز مجلس الأمن إلى طرف الشعب الليبي، ضد القذافي وكتائبه المسلحة، وما تبقي له من سلطة على البلاد. ومنذها اندلعت الحرب الأهلية الليبية، بدعم وتدخل من التحالف الدولي، ما عقب مقتل القذافي فسقوط نظامه تفكك، فأنتج تفكك التحالف الدولي صراعات بين دول من دوله، كفرنسا وإيطاليا والإمارات وقطر وتركيا، ودول أخر كروسيا ومصر والجزائر، دخلت أيضا معترك هذا الصراع، حول النفوذ والمصالح في ليبيا.

2-
الحرب الأهلية الليبية انشطرت وتوزعت أفقيا في أقاليم ليبيا الطبيعية الثلاث: 
أ‌- الغرب: حيث لم تتوقف الانقسامات فالحروب منذ مارس 2011م وحتى الساعة، لكن كانت مليشيات مصراته الأقوى في كل وقت، خاصة من بعد سقوط النظام في أغسطس 2011م، إلى جانب كتائب مِما عُرف بالإسلام السياسي، وجزء من هذا الغرب كمنطقة ورشفانة والزنتان تكونت فيها كتائب مسلحة مستقلة، انضوت فيما بعد للجيش الوطني.

ب‌-الشرق: هيمنت عليه مليشيات دينية مسلحة مِما عُرف بالإسلام السياسي، مع اندلاع معارك متفرقة مع الصاعقة ما تبقى من كتائب القذافي، حتى مايو 2014م حين نجح خليفة حفتر في استثمار قوة الصاعقة، وما تبقى من قوة جوية في مطار بنينا. وبدأ ما عرف بمعركة الكرامة، ما أنتج الجيش الوطني الذي سيطر على أغلب ليبيا الساعة، حيث يوجد في جنوب العاصمة الليبية: طرابلس الغرب. 

ت‌- الجنوب : بدأ منذ فبراير 2011م خارج سيطرة أي أحد، حيث عمته الفوضى، فانتشرت فيه قوى متفرقة دينية إرهابية، ومن معارضي دول الجوار الجنوبي، وعصابات مجرمة تختص بالتهريب وما شابه، إلى أن تمت السيطرة عليه 2017 من قبل الجيش الوطني، ما ضم إليه أفرادا كُثر من الجنوب، كانوا في الأغلب ممن تبقى من جيش القذافي وكتائبه.

هذا الواقع على الأرض كان بفضل دعم خارجي قوي لهذا الطرف أو ذاك، ومن قبل هذه الدولة أو تلك، ما لم يُسمى علنا حتى من قبل مجلس الأمن والأمم المتحدة، باستثناء خاص بدولة تركيا التي أعلنت عن دعمها بالسلاح للطرف المُعادي لما أسمته (جيش حفتر).
إن الحرب الأهلية الليبية التي بدأت بإعلان العقيد معمر القذافي وابنه، القمع المسلح لثورة الشعب الليبي السلمية في 17 فبراير 2011م ، ثم دُولت في مارس 2011م بقرار مجلس الأمن1973 م، لم تتوقف بعد، وإن اتخذت مسارات عدة ولحظات مختلفة.

3-
الحرب التجارة الرائجة بين البشر، لم يكن للبشر أن يروجوا لها في الأخير، بل اعتبروها طريقة إلى السلم، لهذا دائما يعلو صوت السلام والدعوة للمفاوضات. وهذا ما واكب الحرب الأهلية الليبية منذ لحظتها الأولى، فكما أصدر مجلس الأمن قراره 1973، جاء مندوب للأمم المتحدة لأجل التفاوض. منذها والمسألة الليبية يواكبها العمل السياسي من أجل حلها حلا سلميا، ومنذها والقول بأن لا حلّ عسكريا، يلهج به كل طرف إقليمي كان أو دولي، ولسنوات ثمانٍ، والمسألة الليبية مسألة إقليمية دولية، سوى سكتت المدافع لحين أو لم تسكت، وسوى كان القتال خارج العاصمة أو في العاصمة أو على أطرافها.

وكما دُولتْ الحرب في ليبيا منذ مارس 2011م دُولَ السلم منذها، ومن ذاك والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والمنظمة الأفريقية، ودول الجوار والإقليم، الممسكون بزمام المسألة الليبية، كمؤسسات وكدول أعضاء متفرقين.

وما لم يتفق هؤلاء، فإن أية مبادرة من أي طرف محلي أو إقليمي وحتى دولي، لن توضع على الطاولة بجدية، آخذين في الاعتبار أن ما يحدث في ليبيا منذ أبريل الماضي، وما يحدث في الجزائر والسودان، قد خلخل الأوضاع، ووضع على هذه الطاولة ما لم يكن في الحسبان. 

وقد طلب غسان سلامة خلال الأيام الماضية مبادرة من أطراف الصراع، الطرفين اللذين للأسف لا ثالث لهما، فقدم السراج ما رأى وقام حفتر فتقدم بمبادرته. ومن المعروف أن لا أحد في حرب، سيُقدم ما يرضي الطرف الثاني، لكن يُقدم تصورهُ لخارطة طريق، وعليه وعلى الطاولة يقومُ المبعوث الأممي، بجمع الإطراف ووضع تصوريهما للتداول... وعلى الأقل الخروج من خرم الإبرة باتفاق لإسكات المدافع.

لكن ما يظهر حتى اليوم أن السنوات الثماني من الحرب الليبية، غير كافية للخروج من بوتقة الحرب، والولوج إلى بوابة السلم بعد. فإن الأمم المتحدة والأمم غير المتحدة!، الدول الكبرى والدول الصغرى، والجار الجنب والجار غير الجنب، تُلهيهم الحروب التي تطرق الباب، بكل يدٍ مُضرجة لترامب...