Atwasat

(لما ايشوفونا) (When they see us)

أم العز الفارسي السبت 22 يونيو 2019, 11:41 مساء
أم العز الفارسي

مهداه لروحي إدريس المسماري ومحمد الفقيه صالح)
وللرفاق: إدريس الطيب، أحمد الفيتوري، رمضان الفارسي، علي الرحيبي، مصطفى الهاشمي، جمعة بوكليب، عمر الككلي، عبدالسلام شهاب، فتحي نصيب، محمد المالكي) 

بتأثر شديد، وحالة من الإسقاط على وقائع عشتها، تابعت المسلسل الأميركي (When they see us؛ عندما يروننا)، والذي تم عرضه عبر تقنية (Netflix) في أربعة أجزاء، وتدور أحداثه الواقعية سنة 1989، وما زال أبطالها على قيد الحياة وتمت استضافتهم نهاية الفيلم، ويبدأ حين يتفق مجموعة من المراهقين على نزهة مسائية في حديقة عامة بمدينة نيويورك، التي يسكنون أحياءها الفقيرة، ويظهر لنا الفيلم حالة من الشغب البريء بين الشباب، وبعض محاولات التحرش بسائقي الدراجات التي تقتحم جماهير الحديقة وتمر وسط المشاة، ولسوء طالع المراهقين ممن نتابع مواقفهم بعد انتهاء دوامهم المدرسي، يحدث في تلك الأمسية المشؤومة اعتداء عنيف واغتصاب وحشي لسيدة بيضاء كانت تمارس رياضة الجري في الحديقة، السيدة تم البلاغ عنها من قبل بعض رواد الحديقة الذين وجدوها في حالة يرثى لها وتشرف على الموت وغارقة في دمائها وقد مزقت ملابسها. الشرطة إثر ذلك البلاغ تقوم بحملة اعتقالات عشوائية على المراهقين ممن انطبقت عليهم أوصاف من قاموا بالتحرشات والشغب، وبعد صولات وجولات من التحقيق وحبك التهم اختير خمسة من بين عشرات المتهمين، أربعة أميركيون سود أحدهم مسلم وإسباني واحد، وبعد ليلة قاسية وفي غياب العدالة وعماء بصيرتها وقع المراهقون الخمسة الأبرياء على أقوال البوليس الذي حبك لهم التهمة كما ينبغي لعنصرية مقيتة أن تقرر أحكامها، إذ غررت بكل على حدة لإثبات التهمة على الآخرين، ووعدته بنيل براءته، وبذلك أثبتوا التهمة على بعضهم، شارك الإعلام المشوه والعنصرية والفقر وسوء الطالع وكل بؤس العالم في محاكمة الفتيان وإثبات التهمة عليهم وهم الأبرياء. وحُكموا تعسفًا وقضوًا سنوات أحكامهم،( بين 6 و13 عامًا) وتعرضوا للظلم والمهانة والوصم هم وأهلهم ودفعوا سنوات من عمرهم بين القضبان، وبعد انتهاء حبسهم عانوا من الواقع المر وانعدام الثقة والصراع مع مجتمع لم يرحمهم، يقول أحدهم بعد عجزه عن تدبر أموره واضطراره لبيع الممنوعات لكي يعيش (يريدونك أن تبقى سجينًا في داخلك). أحداث الفيلم واقعية شارك في صياغتها أبطالها، ومتابعة الأحداث مؤلمة وصادمة وشارحة بالتفاصيل الحية لقدرة الأجهزة الأمنية على حبك التهم وتبرير الظلم إلا من رحم ربي، أنصح الجميع بمشاهدته.
في سنة 2002، اعترف المجرم الحقيقي، والمغتصب بالعديد من جرائمه ومنها جريمة الحديقة، كما سميت والتي تم فيها اغتصاب السيدة بوحشية وتركت لتواجه حتفها، وبمجرد اكتشاف المجرم، تم إبلاغ المتهمين السابقين بها وأعلنت براءتهم، ووقفت مدينة نيويورك معهم وأعلنت تضامنًا كاملاً في وقفات مؤثرة، فهم ظلموا، وأهدرت كرامتهم وإنسانيتهم قبل أعمارهم وحياواتهم، ورفعوا قضية رد اعتبار وكسبوا 41 مليون دولار جبرًا للضرر الذي تعرضوا له، وفي لقاء مع المتهمين الأبرياء أجرته (اوبرا وينفري) على (نيتفليكس) تكلموا معها عن جراحهم النفسية وعمق تجربتهم الإنسانية، وأكدوا أن المال لا يعادل سنوات عمرهم ولا يجلب ما ضاع منهم ولا يعادل الأضرار النفسية التي لحقت بهم، ولابد من إنصافهم بالاعتذار علنًا، من قبل من أجبروهم على الاعتراف ظلمًا تحت التعذيب، ليطلقوا مجرمًا حقيقيًا يعبث بهم ويرتكب الجرائم باسمهم وتحت غطاء الأمن الذي يصنع سطوته وجبروته على حساب المظالم. كما أكدوا ضرورة أن يعتذر لهم الرئيس ترامب الذي قاد حينها حملات التشويه العنصرية ضدهم وطالب بإعدامهم ووصمهم بعار ما ارتكبوه وهم منه أبرياء.
الفيلم أو المسلسل أعادني لسنوات قاسينا فيها الظلم وتم عقابنا بقسوة وحرماننا من حقوقنا وحرياتنا، ولفقت لنا التهم جزافا من الأجهزة الأمنية ومن الناس، وكان ظلم الناس أشد مرارة، وسبحان الله، يبرز الفيلم الذي تؤكد مخرجته أنه مغرق في الحقيقة بحذافيرها وكل شهوده أحياء، دور الأمهات والشقيقات الملهمات والمضحيات كما كانت أمهاتنا وكما كنا. 
كما يبرز أن كنوز الأرض لا تعادل ساعة إهدار لكرامة الإنسان أو لحظة لاعتقال حريته خاصة لو كانت الأحكام جائرة وملفقة والأهداف لا إنسانية. وإن التهمة باغتصاب الوطن أشد مرارة وقسوة من التهمة باغتصاب امرأة.
كم أتمنى على رفاقي في القضية ( 40/ 78) نيابة أمن الثورة (1978 ديسمبر إلى 1988مارس) كتابتها وإماطة اللثام عنها، فإن لم ينصفنا العمر سينصفنا التاريخ، والتاريخ جدير بأن يدونه شهوده الأحياء. سلام على إدريس المسماري ومحمد الفقيه صالح ودعوة للأحياء بطول العمر، ووطن ينصفهم ويبلسم جراحهم.