Atwasat

دور الدراما المنسي... باشر مهامه

آمنة القلفاط الأربعاء 22 مايو 2019, 02:24 مساء
آمنة القلفاط

المعرفة البشرية، في وقتنا الحالي، تتضاعف مع الوقت في تزايد طردي تسارع كثيرا مع دور العولمة في نقل المكان إلى الفرد أينما كان، عوضاً عن محدودية المعرفة في الماضي، والتي كانت محصورة على طلبة العلم وهواة الثقافة ومتابعي أخبار العالم عبر المحطات المتاحة قبل عصر الإنترنت. الدراما أحد سبل نقل المعرفة، عن طريق الحركة، مما يجعلها راسخة في الأذهان، خاصة إذا كانت تجسد مرحلة تاريخية بكل أبعادها.

تستطيع الدراما الاحترافية، إذا كانت صادقة، ومقنعة، أن يكون لها دور محوري في غرس القيم والسلوك، وتصحيح قيم أخرى خاطئة، كما يمكن لها مساعدة الفرد في تبني الحلول الإيجابية الناجعة. للعمل الدرامي القدرة على حمل المفاهيم بطرق غير مباشرة للجمهور، وهو أسلوب من أنجع الأساليب في تنمية المدارك الجامعة.  

لم تكن لدينا دراما بالشكل الصحيح، ولم تترك لها مساحة من الحرية لتُبدع وتَتَطور، وتأخذ دورها كعملية تصحيحية وتعليمية مهمة في مجتمعنا الليبي. خلال العقود الأخيرة، لم يتم إنتاج سوى عدد قليل من المسلسلات التي تحمل، في أغلبها، معاني محدودة، اُخْتيرت لها. عندما تُقيد الدراما، بأي شكل، يأتي المولود مشوهاً وغير مقنع.

جذبت الشاشة الليبية الصغيرة، في النصف الثاني من شهر رمضان الكريم، الليبيين بشكل سحري وعفوي وجميل حول دراما "زنقة الريح" التي اتفق الجميع على إبداع مخرجها " أسامة رزق" وجودة تصويره واتقان فريق عمله بشكل لافت وغير مسبوق في الدراما الليبية. لأول مرة يتفق الليبيون من خلال ردود الأفعال على وسائط التواصل الاجتماعي على عمل فني ليبي ويشعرون بالزهو أمام إبداع درامي ليبي لم يسبق لهم، في الغالب، مشاهدته. تصدر هاشتاق #زنقة_الريح وهاشتاق #اسامة_رزق وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غطى على الأحداث الدموية الجارية في محيط العاصمة طرابلس في الآونة الأخيرة.

لقد كان في موعده تماما من حيث الظروف التي تمر بها البلاد، وحاجة الناس لنفض الغبار حول تاريخنا المشترك. عَرف المسلسل في أحداثه، ذلك الجانب المضيء في الشخصية الليبية الذي يرضى بالاختلاف ويتعايش معه. نجح في أن ينقل للمشاهد بطريقة ذكية ومتقنة وبحرية، يستطيع المشاهد تلمسها بسهولة، مرحلة ما قبل اكتشاف النفط وحيث كان العمل بالموارد المحلية البسيطة المتاحة من أجل لقمة العيش. نقل للمشاهد أهمية قيمة العمل واستغلال المتاح وتقدير حرفة اليد.

اجتمعت العائلات في هذا الشهر الفضيل حول #زنقة_الريح وهي تتابع الأعمال الحرفية، اللباس التقليدي، صيد السمك، غزل الصوف، الحرية في نقل الكلمة، قيمة التعاون بين الأفراد، سلبية التدخل الأجنبي، ولم ينسَ تذكيرنا بصناعة الآيس كريم المحلي في أربعينات القرن الماضي، مع حضور قوي للمعارضة السياسية والنقاشات المختلفة الجادة في شكل جماعي لهموم الوطن في ذلك الوقت في حبكة متقنة تنقل المشاهد لتلك الحقبة.

لا يسعنا سوى أن نشكر كل فريق العمل، آملين أن يستمر الإبداع، وأن تكون البداية نحو تناول قضايا مجتمعية أعم وأشمل. عرفت الدراما الليبية طريقها، أخيرا، وأدركت دورها في نقل وغرس القيم. وظهرت أهمية دور المشاهد المتابع في النقد والنقاش وتشجيع النافع.