Atwasat

صور الرجال الكئيبة

سعاد الوحيدي الأحد 28 أبريل 2019, 11:45 صباحا
سعاد الوحيدي

وإذ أنحو لاستعارة مقولة ذات وزن "إنساني" خاص، لشخصية "عالمية" استثنائية؛ دخلت التاريخ الإسلامي من باب الجدل والمناظرة/ بل والمعارضة، وانتهت وفق صيرورة معقدة التفاصيل، إلى بر من الطمأنينة الذاتية والعقلية/ المؤازرة لما كانت تعارضه. أشدد (وبقوة)، على خلو نيتي في هذا الاتجاه، من كل بعد تعبوي، عقائدي/ أو نسوي، مكتفية هنا بمتعة الاستناد إلى اعتراف "ذكوري" جميل، بأن أمة محمد، عليه صلوات الله، قد ولدت بأسرها في حضن امرأة.

يقول المبشر الكندي السابق غاري ميلر (وهذا اسمه على جواز السفر قبل أن يختار أسم عبد الإله عمر، بعد اعتناقه للإسلام): "يصعب العثور على من يقول: (لقد كنت خائفا إلى درجة أني أسرعت إلى زوجتي)، محمد فعل ذلك يوم أن جاءه جبريل، لابد أنها كانت امرأة مميزة". عن خديجة بنت خويلد (أم المؤمنين) يتحدث هذا الرجل الكندي، وعن شجاعة محمد نبي الأمة، وهو يعترف بأنه في حضن امرأة قد تحقق له الوعي بالرسالة.

ولن أخوض هنا في تفاصيل تكسر فحولة رجالات الأمة بعد ذلك، تحت حوافر خيول المغول، وسقوط عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد، كما لم تسقط مدينة في حضن فاجعة مشابهة من قبل. الأمر الذي كان يؤذن بانتهاء حضارة، لصالح أخرى وفق منطق التاريخ. وكيف أن المرأة، وليس الرجل، من تمكن من قلب موازين معادلات التاريخ، ودخل بفضلها الغالب، لأول مرة في تاريخ الشعوب دين المغلوب. وتحول المغول إلى جزء من الأمة التي حاولوا تدميرها، بل هم من نقل مجدها إلى أصقاع الأرض، كحضارة مستمرة ولدت من رمادها المسكون بروح النساء.

لن يجادل أحد في ذلك، لكنهم يتجاهلونه، هنا وهناك... وهو ما يرعبني اليوم حتى الفجيعة في بلادي ليبيا، والتي أطلقت شرارة عهدها الجديد مواجهات النساء لجبروت طاغية، اختفت أمامه شجاعة الرجال. حيث صارت الأمور تنحو لأن يتم محو "وجود" النساء، وصورهن من واجهة الأحداث... كل الأحداث. "وكل الصور".

في واقع الأمر لن يسمح عمود متواضع الكلمات، بسرد أسباب أو وقائع أو أرضية مثل هذا التجاهل، والاستهانة والإهانة، والتجاوز المتعجرف للمرأة الليبية اليوم، وقد استحوذ رجال السلطة (في المشهد العام)، بكامل الصورة، الرسمية والشعبية. لذا سأكتفي وأنا أختم، بلفت النظر إلى الصور المتداولة ( الرسمية / أو غير الرسمية)، للوفود والمقابلات والمداولات والمشاورات والتحركات... تلك التي يقوم بها "رجال السلطة" في الشرق والغرب والجنوب، وفي سماء ليبيا أو أرضها، أو بحرها وصحرائها... أو في اللقاءات تلك التي تناقش حاضر ليبيا أو مستقبلها، أو تلك التي تترقب مناقشة ذلك، وأتحدى أن تجدوا إمرأة. وأتعجب لذلك، ولذاك الصمت المشبوه الذي يواكب هذا الإجحاف من قبل كافة الأطراف... (المحلية والإقليمية والدولية وفق التعبير المتداول إعلامياً)، وخاصة الأممية، والتي كان من شأنها أن تذهب حتى للتنديد بسرقات المسؤوليين للمال العام!!... وكأن سرقة مواقع النساء في ليبيا لا تشكل أي جرم؟!!!.