Atwasat

حربٌ لاعيون لها

نورالدين خليفة النمر الإثنين 22 أبريل 2019, 01:19 مساء
نورالدين خليفة النمر

يكون أسلوب التعامل مع الحرب،حتى ولو كانت حرباً تنازعية، غنائمية ـ سلطوية كالدائرة اليوم على تخوم العاصمة طرابلس، على أنها مجرّد عملية عسكرية" Military operation " كفيلاً بإفراز نتائج عكسية في معظم الأحوال، وأن الاستعدادات العملياتية باستخدام القوة المسلحة لابد من أن تضع في اعتبارها السياق السياسـي الأوسع الذي تُتخَذ فيه تلك الاستعدادات وهو ما يمكن تسميته بعملية سياسية "political process " مركزية تتخلّلها عمليات Operations ، من ضمنها أعمال حربية.من وصوف الحرب يمكن اقتراح "الحرب المتداخلة"، وصفاً للحملة الاحترابية، بأسم ميليشا الجيش الوطني في الشرق الليبي ومن تسميهم بالقوة المساندة لها التي تطال تخوم العاصمة طرابلس. فهذا الاحتراب لفق من الحرب احترافية وأهلية سمات: "المناورة بالإجهاد" و "خفة الحركة" و"التسلل والالتفاف" و"الهجوم الخاطف" و "الإغارات العميقة" والهجوم في الدفاع، والدفاع في الهجوم" و"الاقتراب غير المباشر" و"تحديد طبيعة الاشتباك".

ولكن محاولة إضفاء الصبغة السياسية على حرب أواحتراب لفق هذه السمات وتداخل فيها بفوضوية أمر صعب، وينطوي على خطورة كبيرة بالتأكيد، ولكن أيضاً استخدام القوة في غياب أدني تسييس، وإلى حدٍّ ما عقلنة لهذا الضرب الغريب من التنازع، لا يثمر في أغلب الأحيان: فالقوة تفرز قوة، وكل أسلوب له أسلوب مقابل، وهكذا ترتفع وتيرة العنف بشكل تصبح فيه التكاليف النهائية للحرب أكبر من الخلافات السياسية التي أفضت إليها أساساً.توثيقاً للاحترابات الليبية ـ الليبية.

يكون الاحتراب المشتعل اليوم على تخوم مدينة طرابلس، والمرّكز في جنوبها الممتدُ شرقاً هو الثالث فقد سبقه الاحتراب باسم فجر ليبيا عام 14 ـ 2015 الذي ابتدأ باقتلاع ميليشيا قبيلة الزنتان التي كانت تهيمن على مرافق العاصمة الحساسة كالمطار الدولي الذي أتت عليه الحرائق فأتلفته، ليترافق إبعاد هذه الميلشيات إلى بلدتها الجبلية مع التوّغل في مناطق نفوذ قبيلة ورشفانة والأصطدام بين ميليشيا بقايا لواء 32 معزز أحد الألوية العسكرية الخاصة لجيش النظام الدكتاتوري المُسقط في 2011 وبين القوات الميليشياوية الإسلاموية تدعمها قوة ميليشيات مصراتة الضاربة. الاحتراب الثاني نفذّه في أغسطس 2018 ماتسمّى بـ " اللواء السابع" وهو من بقايا جيش الشعب المسلّح المنحل تسانده ماعرفت بـ "ميليشيا (الكانيات) وتستند قوتهما الأساسية على جنود وضباط مُسرّحين جُلهم من قبائل ترهونة.

الهجوم تمّ تحت شعار "تطهير العاصمة من المليشيات" ويعنون بها الميليشيات النهّابة والإسلاموية التي تبتز حكومة طرابلس بحمايتها من القوى الميليشاوية الأخرى المعتدية عليها.

فيما يخص الاحتراب الدائر حتى اليوم، دون الاحترابين الليبيين ـ الليبيين. تحليل وكالة «فرانس برس» يلقي الضوء من الآخر عليه كـ :تراجيديا قابيل ـ هابيل الليبية. والتحليل المنشورة ترجمته في صحيفة الوسط الليبية، يستند على آخر التصعيدات الدولية لسُعار الحرب بمنعطف جديد، المتمثل في اتصال الرئيس الأميركي مع قائد مُسمى الجيش الليبي، مشيرة إلى أن الحديث الهاتفي بينهما "كشف الخطوط العريضة للعبة الدولية التي تبدو فيها واشنطن وموسكو في صف واحد، مجازفتين بتهميش: ـ رغم وجود نائبة أمريكية فعالة لرئيس البعثة الأممية في ليبيا لدور الأمم المتحدة الضاغط لصياغة اتفاق سياسي منحاز لأحد الطرفين المتنازعين في ليبيا ـ بريطانيا ومحاولتها الدائبة للحفاظ على توازن الأزمة الليبية بترجيح كفة القوى الإسلاموية النافذة في طرابلس وداعمها الجهوي الضارب في مصراتة ـ تأجج خلاف المصالح الفرنسي ـ الإيطالي بشأن الموقف في ليبيا، ووضعه في ثلاجة تبريد المفاوضات الثنائية الطويلة التي تُجرى في الردهات المغلقة.

مجتمعية الاحترابات الليبية ـ الليبية تجلت غالباً في ثنائية سيبة / مخزن وتبلورت في شكل التنازع الذي أخذ صبغة فوضوية ودموية مابعد انتصار الثورة الشعبية الليبية 2011 والذي سيتفاقم إلى الأمد الذي تقرّره مصالح القوي الدولية المتحكمة في خيوط اللعبة الليبية المدمرة لكل اللاعبيين الليبيين المتصارعين إلى الأبد على مخزن الغنيمة.

لقد شاءت أقدار الحظ والنحس معاً أن تكون ليبيا بطفرة النفط بلداً غنيا، توائم غناه مع موارد بيئية وجغرافية وإنسانية ثقافية وحضارية، أضمرها شُح المال، فأظهرها غنى النفط لتعبر عن نفسها سنوات قليلة، فتمحقها لعبة الأمم التي تجلّت في انقلاب صغار العسكر القادمين إلى السلطة في العاصمة بكراهياتهم في 1سبتمبر 1969 من أطراف الريف وهوامش البادية، بقيادة دكتاتور تميز عن أقرانه بأتوقراطيته العليلة التي أمرضت بعضالها المجتمعية الليبية لأربعة عقود لتأتي الفوضى المعممة مابعد 2011 لتفاقم وبالها. البحث في هذا المرض هو ما أنصح أن تتكون إزاءه فرق عمل مستقلة من الباحثين في الإنسانيات والكُتاب الليبين المُطعمين من جوع، والمؤمّنين من خوف والمتحررّين من ضغوطات الرغائب التي تحتازهم، أن يخونوا ضميرهم الوطني طمعاً في عروض الدنيا الزائلة. عملياً يجب أن يضعوا نُصب أعينهم تأسيس إطار مطالبة حقوقي يخص جزءاً من أموال ليبيا المُجمدة في حسابات دولية محظور صرفها حسب البند السابع لمجلس الأمن المتعلّق بالأزمة الليبية يتم تسييرها حسب الشروط القانونية في بلد أوروبي محايد في الأزمة الليبية للصرف على هذا النشاط الثقافي الليبي المستقل. وأنا أخاطب هنا الواعين منهم المتناثرين في بلدان الغرب الليبرالي المندمجين بشكل ما فيه، والذين زيادة على وعيهم الذي أسسوه في ليبيا معرفة بها.هم مؤهلون معرفيا ومنهجيا لإيصال معرفتهم الليبية، إلى المجتمع الدولي في الغرب الديمقراطي عبر المؤسسات المدنية والديمقراطية والجماعات الضاغطة المستقلة.

إن المشهد الليبي غامض، ولايفهمه إلا المثقفون العضويون من النخب التي عنيتها والتي هي اليوم مهملة، ومغيبة عن المشهد الإعلامي الليبي المأسور بالأطماع، وخفة الكائن، وهشاشة أنانيته التي هي محلٌ للاختراقات والتلاعبات الإقليمية التي منذ عام 2012 إلى اليوم تؤجج حرباً لاعيون لها.