Atwasat

ريمونتادا!

صالح الحاراتي الإثنين 01 أبريل 2019, 12:27 مساء
صالح الحاراتي

كلمة ”ريمونتادا ” كلمة اسبانية تعني التعافي أو العودة .. وتستخدم فى كرة القدم للتعبير عن عودة فريق ما للتعافى وللفوز بعد خسارة سابقة.

هذه الحالة من الإرادة الإنسانية الصلبة التي تحدث في ملاعب كرة القدم، تمضى بنا إلى تفهم حالات إنسانية يتم فيها القيام بعد كبوة عارضة أو مزمنة يمر بها أي إنسان، وهذا أمر مهم وممكن ويؤكد أن لا شيء مستحيلا يقف أمام الذين يحاولون. فكل منا على المستوى الفردي يتعرض في مسيرة حياته إلى مطبات وكبوات ولكن الحياة يجب ألا تتوقف عند تلك الإحباطات، واعتقادى أن الأمر يحتاج إلى محفزات ذاتية تتلخص في الإرادة والمثابرة والإصرار، وهي سر القيام بما يسمى "الريمونتادا".

الحياة أمامنا مليئة بنماذج بشرية فردية عادت للتألق بعد أفول ..ونفس الامر ينطبق على المجتمع ، فالحياة تشهد ايضا،( وهو ما يعنينا هنا) على مجتمعات عادت بعد افول مثل ألمانيا..اليابان.. فيتنام.. وأخيرا رواندا وغيرها. وهنا وجب علينا أن نفهم كيف تحولت الإرادة والمثابرة والإصرار من قيم فردية إلى قيم مجتمعية. ونتبين الركائز التى عادت بتلك المجتمعات إلى التألق والنهوض من كبواتها.

نعم الأمر يحتاج إلى محفزات تقف أمام روح اليأس التي ينفثها المثبطون والتي تملأ الفضاء العام. ولكن الشعوب الحية تقوم بعمل "ريمونتادا" ومحاولات للنهوض عندما يعم الفشل محاولاتها السابقة، تماما كالإنسان الفرد بإمكانه بعد إحباطات عديدة أن يقوم من عثرته وسقوطه.

لا أزعم أنني أعرف على وجه الدقة مسيرة كل المجتمعات التي عادت لتوهجها بعد أفول، وما هذه السطور إلا محاولة متواضعة ودعوة لعودة الحياة وتطورها في مجتمعنا والاستفادة من تجارب الآخرين. والسؤال هذه الأيام هو: هل الليبيون قادرون على القيام بـ "الريمونتادا" ووضع أساس دولتهم المدنية الحديثة في الملتقى الوطني؟.

الأيام ستجيب على ذلك السؤال، فالمسألة تتعلق بالمستقبل من خلال الاتفاق على ركائز أساسية، نظام حكم مدني رشيد مبني على المشاركة والشفافية وتداول السلطة ومحاربة الفساد، والاهتمام بالتعليم، والاقتصاد الحر ودعم المبادرات الفردية وفتح المجال أمام الاستثمار وسن القوانين التي تدعم ذلك ودعم المصالحة والتسامح والوئام المجتمعي..

دولة تتأسس على (نظام مدني) من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة فى الحقوق والواجبات، وتشكل ما يطلق عليه (الثقافة المدنية)، ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق؛ أي وجود حد أدنى من القواعد التي تشكل حدودا لا يجب تجاوزها، على رأسها احترام القانون (وهو يشكل القواعد المكتوبة- الدستور). ويأتي بعده غرس ثقافة راسخة تشكل بنية الحياة اليومية للناس، تحدد لهم صور التبادل القائم على النظام لا الفوضى، وعلى السلام لا العنف، وعلى العيش المشترك لا العيش الفردي، وعلى القيم الإنسانية العامة لا على القيم الفردية أو النزعات المتطرفة.

وبالرغم من الإقرار بحقيقة أن الأسى لن يُنسى بسهولة، ولن تمحي آثاره الوحشية وندوبه العالقة بالروح، ولكن بفيض من نور التسامح والعفو تهدم أبواق الثأر والجهل والفرقة والتوحش.

بلادنا "رغم صرخات أهل اليأس والقنوط !!" تستطيع أن تكون مثالا حيا على قدرة الشعوب على النهوض من أحلك الظروف في حال توافر رؤية واضحة وإرادة سياسية وشعبية لتنفيذها، وتبقى الإرادة هي شمعة الأمل للخروج من عمق المعاناة وعتمة ردهات التخبط وقمم القنوط، وهي السلاح القوي الفعّال ضد المستحيلات والمحاولة الحقيقية التي تساعدنا وتمكننا من الوقوف بعد الانكسارات.