Atwasat

مقاومة الكراهية! بالمعرفة

نورالدين خليفة النمر الأحد 31 مارس 2019, 12:20 مساء
نورالدين خليفة النمر

تتوّسل المغالطة المنطقية باستخدم المشاعر بدلاً من الحُجج، أو لإخفاء الضعف في الحجة، بالتماس المشاعر "Appeal to emotion". فيحاول الفاعل إثارة المشاعر بدلاً من تقديم حجة سليمة وقوية تقنع متقبلها. ولكن من المهم الملاحظة أنه في بعض الأحيان قد تثير حجة سليمة منطقياً بعض المشاعر الملتبسة، أو أن تحتوي على جانب مشاعري يُقلقها، فيحاول مُقدّم الحجة إقناع الطرف المقابل بخصائص الوسيلة أو الأسلوب، أو مميزهما عن الوسائل والأساليب المنطقية في إبداء الحُجج، بل يحاول إقناعه بإثارة مشاعره بدل تنبيهه للموضع الذي تقع فيه مصالحه وعكسها مهالكه.

جيلنا المخضرم الذي أدرك القرنين. أيقن أيضا بأن القومية العربية ورموزها السياسية انتهت بنهاية القرن الـ 20. وأتت نهاية العشرية الأولى من القرن الـ 21 لتموضع الإسلاميات والقليل من الوطنيات التي أعقبت القومية الغابرة في مغالطات المنطق بالتماس المشاعر. فيما يعنينا، ليبياً سنترك جانباً الشيزوفرنيا الإسلاموية المتخارجة مع الحدود الليبية التي أتت أكلها في حادث القنصلية الأمريكية الدامي في بنغازي 2012؛ والذي أودى بحياة السفير الأميركي الذي تبنى موضعة ليبيا الثورية مابعد تغيير 2011 في خطط أمريكا الأمنية لمحاربة الإرهاب في أفريقيا. ونلفت الانتباه إلى شيزوفرنيا تعتم الرؤية فيما شهدته قاعدة طرابلس البحرية، ورئاسة أركان القوات الخاضعة لسلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. ونقصد ـ ما ورد في البيان المنشور ـ عن المراسم المصطنعة لأوّل مرّة منذ الحدث الثوري الشعبي 2011 لتأبين وتخليد الذكرى الـ33 لشهداء خليج سرت ـ واسمه في الوثائق البحرية الدولية خليج السدرة ـ ممن استشهدوا يومي الـ24 والـ25 من مارس عام 1986، في مواجهة غير متكافئة مع الأسطول السادس الأميركي وراح ضحيتها 58 فردا من منتسبي القوات البحرية آنذاك. الشيزوفرينيا تكمن في تضارب محتويات البيان مع المطالبة الملّحة من رئيس المجلس الرئاسي منذ 26/ 8/ 2016، وحتى 19 /03 / 2019 من قائد القيادة العسكرية الأميركية فى أفريقيا (أفريكوم)، مواجهة فلول تنظيم «داعش» بالتنسيق مع حكومة الوفاق واستهدافها عسكريًّا في خليج سرت وقواعدها الخلفية في جنوب سرت التي نحج تنظيم داعش الإرهابي في أن يؤسس فيها عام 2016 إمارته الأولى في الشمال الأفريقي.

ينبغي على من يكتب في أخلاق السياسة أن يعتقد جازماً بأن لاوجود لـ "شرْ" كوني راسخ رغم عثوره على تمظهراته في كل حقبة تاريخية. وهو التباس بسوء الفهم يتأسس على حاجة الفرد للآخرين، الذين يرفضون تلقائياً تلبية حاجته وإرضاءها، مما يحيل إلى حالة من التمركز على الذات فرداً وجماعة تتفاقم خطورته عندما يصير هوسا جماعيا، ذلك الذي يعبّر عنه في تاريخنا السياسي المعاصر شعور كراهية أميركا والعداء العربي ـ الإسلامي لها. وهو ما بلوره التساؤل الأمريكي العفوي: لماذا يكرهوننا؟! رّدة فعل عن حدث 11 سبتمبر 2001 وما أعقبه من تداعيات أمريكية وعربية إسلامية موضعته في شئ يشبه المرض بانفصام الشخصية.

تفاجأ المحلل السياسي العربي الذي لاتعنيه ليبيا بالتأجيج الحربي فيما سمّى بالاحتكاكات الأميريكية ـ الليبية بخليج سرت عام 1986، الذي أطفأته غارة الطائرات الأمريكية لمدة 5 دقائق عام 1987على ثكنة باب العزيزية ومبنى الأمن الخارجي في العاصمة طرابلس. المتتبع الليبي يعلم أن الحدث شكلت جذوره نتائج حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل عام 1973وخاتمتها اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية 1977 وكانت ضربة قاصمة أخرجت الراديكالية الشعبوية الحاكمة في ليبيا 1969 ـ 2011 وغيرها من المشهد الديماغوجي العربي المتمحور حول القضية الفلسطينية منذ عام ماسمّي بنكبة1948، وقذفت بها في هوس الممانعة حتى إسقاط النظام الليبي بثورة شعبية مدعومة بقوات الناتو الغربية 2011.

تسقط الأنظمة السياسية العربية مهما امتد عمرها بالاحتلالات أو الانتفاضات أو الثورة الشعبية التي اختصت بها لـ "حظها أو نحسها" ليبيا دون غيرها. وتبقى البنية السيكولوجية التي أسست لها فيما أطلقت عليه الفرويدية الـ الهو Id في السلوكيات النفسية، التي تختصر القانون الدولي أو السياسات الخارجية أو الرأي العام الغربي إلى أدوات في يد فاعل، يتغير تعريفه وفق الطلب. والتي تقدّم تفسيراً مبسطاً لتلك المشاعر والحقائق، التي يتلاعب فيها الفاعل الغربي كما يشاء بغية تأمين مصالحه.

يتعزز المنطق المانوي العربي الإسلامي وتابعه الليبي بفهم خاطئ للمصالح، فينظر إلى هذا الجانب من العلاقات الإنسانية والسياسية بازدراء واحتقار. فوجود مصلحة وراء سياسة ما يعني تلقائياً، لأصحابه، تلوّثها وسقوطها الأخلاقي. أما الرواية المؤامراتية، فتتمثل فيما يمكن إدراجه في قائمة الأضاليل والتوهمات، التي تخلط بين "النحن والآخرين"، "الصديق والعدو" أو الأسوأ "الخير والشر".

المفكر الغربي الذي توخى النقديات الكانطية في القرن 19ومابعدها يبقى قريبا من أفكار الأنوار: لمقاومة الشر بطرائق منهج المعرفة. بينما يبقى المثقف والسياسي العربي في أسر المانوية المميتة للجسد والضمير: شقاق الرغبة والمصلحة، ونزاع منطق الواقع مع أوهام التماس المشاعر والسفسطة.