Atwasat

اجتماع أبو ظبي: امل محفوف بالمخاطر

ميلاد عمر المزوغي الثلاثاء 05 مارس 2019, 01:01 مساء
ميلاد عمر المزوغي

سبع سنوات من الحكم المستبد الذي فاق كل تصور، تارة باسم المدن المنتصرة-الشرعية الثورية، وتارة أخرى باسم ميليشيات خارجة عن القانون تتخذ من الدين ذريعة لتطبيق شرع الله، وثالثة باسم ميليشيات إجرامية ليس لها مرجعية دينية أو سياسية، والنتيجة هي تدمير البلد اقتصاديا واجتماعيا، والتحكم في خيراته وإهدار الأموال الباهظة ما جعل المواطن يفتقر إلى أبسط ضروريات الحياة.

لقد استطاع الجيش تنظيم صفوفه ومحاربة الإرهاب في عقر داره (بنغازي) وتحررت المدينة وكامل المنطقة الشرقية رغم المدد (المادي والبشري) اللا متناهي من قبل المسيطرين على العاصمة وماحولها بإرسال الجرافات، تدعمهم في ذلك تركيا وقد ضبطت بالجرم المشهود في أكثر من مناسبة، بينما اكتفت قطر بالدعم المالي والمشورة.

تحرير الجنوب الليبي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى، وترحيب كافة أطياف المجتمع به، أفزع أخوان ليبيا وداعميهم القطريين، فتم استدعاؤهم على عجل إلى الدوحة لتدارك الموقف. فالأمور يبدو أنها خرجت عن سيطرتهم. أصبحوا كاليتامى يستجدون عطف من يعتقدون أنه قادر على ذلك، وأضحوا شبه متيقنين من أفول نجمهم الذي بزغ بفعل الشحن الخارجي، فالتوصيلات الرديئة تآكلت واهترأت، إضافة إلى غياب البيئة الحاضنة لهم بفعل جرائمهم المتعددة.

المؤكد أن الدول الغربية التي نصبت الرئاسي ودعمته بكل الوسائل الممكنة قد أدركت عدم قدرته على إدارة شؤون البلاد وارتهانه لميلشيات العاصمة ما زاد في معاناة المواطن، تريد حلحلة الأمور وإنهاء الفترة الانتقالية التي طال أمدها، يبدو أنه قد حان الوقت للاستفادة من إيرادات النفط والغاز وإبرام اتفاقيات لإعادة الإعمار واستكمال المشاريع المتوقفة التي تقدر بمئات المليارات، وقد لا تستطيع خزينة الدولة الليبية تحمل هذه التكاليف بفعل تدهور أسعار النفط، ما يجعل الالتجاء إلى الإقراض من الخارج (صندوق النقد والبنك الدوليين) أمرا ضروريا، وذاك أحد أهداف الغرب لإحكام السيطرة على اقتصاديات الدول النامية وربما لعقود من الزمن.

رعاة اجتماع أبو ظبي يؤكدون اعترافهم الصريح بدور الجيش في محاربة الإرهاب وتأمين منابع النفط وموانئ تصديره، وفشل الرئاسي الذريع في القيام بأي عمل خيّر. لقد انتزع الجيش اعتراف الدول به بفعل تضحياته الجسام رغم قلة إمكانياته، والترحيب به وحفاوة الاستقبال من قبل جماهير المناطق التي دخلها محررا لا غازيا. اجتماع أبو ظبي يقر بإشراك القيادة العامة في إدارة شؤون البلاد السياسية والأمنية لما أبدته القيادة من حنكة وحسن تدبير.

كنا نتمنى أن تنتهي الفترة الانتقالية منذ سنوات. فالمجتمع الليبي شبه متجانس، والأحزاب السياسية قد جرمت بفعل القانون منذ استقلال البلاد، فيوضع القطار على السكة، لتستقيم الأمور ويسعد المواطن بخيرات بلاده، وينعم بالأمن والاستقرار، ولكن ما بالبيد حيلة. ابتلينا بعباد الكراسي، المنفذين للأجندات الخارجية، الساعين إلى إهدار المال العام، المتلذذين بمآسي الآخرين، الممعنين في احتقار بني جلدتهم، ما يجعلنا نتحفظ على انتمائهم إلى الوطن، فهؤلاء لا وطن لهم.

الحديث عن حرية الرأي والتعبير تظل حبرا على ورق في بلد تتحكم الميليشيات في مصيره، وما قيام مسلحين الجمعة أول مارس 2019 في العاصمة بتفريق مسيرة سلمية قليلة العدد، مؤيدة للجيش إلا دليلا على مصادرتها لآراء الآخرين، وأنها لا تريد بناء دولة مدنية ولكن الميليشيات لن يطول بها المقام فإما الاندماج في المؤسسات الأمنية والعسكرية وإما إلقاء السلاح والاتجاه نحو العمل المدني.

المؤكد أن الانتخابات لن تجرى في القريب العاجل وفي أحسن الظروف نهاية العام، ورغم ذلك يظل هناك أمل في نهاية النفق مع يقيننا الذي لا يقبل الشك بأن هناك دولا تسعى وبكل جهدها إلى إطالة أمد الأزمة لتحقيق مصالحها، وإبقائها ساحة صراع لنفوذهم. ولكن وبفعل الشرفاء من أبناء الوطن سيتم التغلب على كل الصعاب مهما بلغت التضحيات.