Atwasat

رسالة إلى السيد سلامة

جمعة بوكليب الإثنين 04 مارس 2019, 01:18 مساء
جمعة بوكليب

خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، تحولت لندن إلى عاصمة للصحافة العربية المهاجرة، وأضحت قِبلةً للكتّاب والإعلاميين والصحفيين من كل بلاد العرب، خاصة بعد انطلاق موجة القنوات التلفزية العربية. وصارت مقاهيها وصالاتها تعج بزخم ثقافي وإعلامي عربي غير عادي. وأذكر أنني، خلال تلك الفترة، تعرفت بالعديد من الكتاب الصحفيين والشعراء والقاصين والروائيين، بعضهم ينتمي إلى نفس الجيل الثقافي الإبداعي، وبعضهم أكبر عمراً وقامة وشهرة.

من ضمنهم كاتب صحفي مشهور، ربطتنا أواصر الاحترام والود والصداقة. وكنا نلتقي في مكتبه، أو في أمكنة أخرى. وأذكر أن صداقتنا لم تمنع اختلافنا سياسياً في العديد من القضايا التي كانت مطروحة. ومن ضمنها كان الوضع السياسي في ليبيا. كنتُ ألوم صديقي على تجنبه الخوض في ما ينشره من مقالات وتحقيقات في صحيفة معروفة. وكان هو، دوماً، يرد ضاحكاً بقوله إن التعامل مع ليبيا سياسياً مثل التعامل مع كيس فحم لايسلم من يحاول حمله من أي جهة مهما كان حريصاً، من الاتساخ.

الصلة بين كيس الفحم والسياسة الليبية لم تنته بسقوط النظام عام 2011، بل تواصلت مع ما طرأ على الساحة من تطورات وتغييرات وأحداث. وشهدت ليبيا وصول أربعة مبعوثين للأمم المتحدة: عربيان من لبنان، وأسباني، وألماني. ثلاثة منهم حاولوا جاهدين حمل كيس الفحم الليبي، بحرص وعناية، مستخدمين كل ما لديهم من مهارات وخبرات وتجارب سابقة. للأسف الشديد لم ينج واحد منهم في أداء المهمة، من دون أن يلحقه شيء من وسخ الكيس. وغادروا ليبيا ممهورين بفشل وإخفاق وصم سيراتهم الذاتية. ومازال رابعهم يراوح بين منتصف مسافة طريق، حتى الآن، تفصله بين نهايتين: الوقوع في فخ وسخ كيس الفحم كمسابقيه، أو النجاة والخروج سالماً بسمعته، والأهم من ذلك بصحته العقلية والنفسية.

هذا ما كنت أخمّنه قبل أن أقرأ، مثل غيري، تغريدة غريبة، أطلقها السيد سلامه، مؤخراً، على حسابه في موقع انستغرام، تتمثل في دعوة موجهة منه إلى الليبيين وهذا نصها: " إخوتي الليبيين! لقد دقت ساعة الحقيقة والخيار لكم: فإما تحتكمون للعقل أو للغريزة، وإما تبقون أسرى أحقاد الماضي أو تبنون معا مستقبلا زاهرا لأولادكم، وإما تلهيكم الصغائر أو تنقذون وطنكم من كبوته، وإما تفرقكم الفئوية أو يضمكم الوطن الواحد الوسيع لجميعكم."

أولاً: تغريدة السيد سلامة، أعلاه، جاءت بعد أيام قليلة جداً من لقاء السراج – حفتر في أبوظبي، واتفاقهما على الدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة.

وثانياً: لست هنا في معرض الخوض في تلك الدعوة، لكني لم أعرف بعد، على وجه التحديد، معنى "دقت ساعة الحقيقة " الواردة في التغريدة، ولا ما تلاها من كلام عاطفي محمل بالنوايا الطيبة من سعادته نحو الشعب الليبي، المرسل إليه مبعوثاً من الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، ليساعده بحنكته وخبرته ومهارته، على الخروج من محنته، وأيضاً على وضع عجلات قطاره على سكة جديدة تقود إلى محطة أخيرة مأمولة.

السيد سلامه رجل سياسي محنّك، وقادم من ساحة صعبة سياسياً – لبنان – وشديدة التعقيد طائفياً، وحزبياً، وطبقياً، وإثنياً. تخضّها تناقضات ومصالح متضاربة: محلياً، وإقليمياً، ودولياً. وهذا يفسر لصالح رصيده. وهو أيضاً رجل ذكي، ويجيد الإنصات، ويجيد حياكة تصريحاته لوسائل الإعلام، يتحرك بانتباه في ما يعترضه من حقول الغام. وهذا يفسر كذلك لصالح رصيده إيجابياً. السؤال الذي لا أستطيع منع نفسي من طرحه هو: كيف يمكن لرجل برصيد، ملفتا للأنظار والاهتمام، من إطلاق تغريدة أحسبها شخصياً تطال سلبياً ذاك الرصيد؟.

يعرف السيد سلامه، من خلال وجوده في ليبيا وعلاقته بكل أطراف الصراع، داخلياً وخارجياً، أن حلَّ الأزمة خارج عن سيطرة الأطراف الليبية، أو الشعب الليبي، وأضحى، منذ سنوات، بأيدي قوى إقليمية، ودولية، متصارعة ومتنافسة على النفوذ السياسي والثروة النفطية في ليبيا. وأن الأطراف الليبية تحولت إلى مخالب أمامية لتلك القوى المتنافسة والمتصارعة، تتلقى ما يصلها من تعليمات وتنفذها، مثل ما تتلقى ما يصلها من دعم متمثلا في المال والسلاح. ووقع الشعب الليبي بين حجري رحى.

وهو، السيد سلامه، أدرى من غيره، أن "ساعة الحقيقة" التي أعلنها منبّهاً، لا تُدار من ليبيا، لأن مفاتيحها في الخارج. ومن يملكون تلك المفاتيح في أياديهم هم الذين وجب أن يوجه إليهم السيد سلامه تغريدته، ودعوته. ويسعى لإقناعهم برفع أياديهم عن بلد وشعب في أشد الحاجة للتعاطف والمساعدة للخروج من محنة أزمة أرهقتهما ومازالت.

ياسيد سلامه: لو الخيار لأغلبية الشعب الليبي، كما تقول لنا، لما كنّا وصلنا إلى الوضع الذي نحن فيه. ولما احتجنا إلى أربعة مبعوثين للأمم المتحدة. ولما اخترنا أن تتحول بلادنا إلى ساحة تخاض فيها حروب نيابة عن دول أخرى، ولكنّا وصلنا إلى بر أمان منذ زمن ورسونا ببلادنا على مرفأ آمن.

هذه أمور لا تخفى على سعادتكم، وحقائق لستم في حاجة إلى تذكيركم بها.