Atwasat

فبراير.. ثمانية أعوام.. المعاناة مستمرة

ميلاد عمر المزوغي الخميس 21 فبراير 2019, 10:59 صباحا
ميلاد عمر المزوغي

ثماني سنوات على انطلاقتها، بالتأكيد لم تكن فجرًا لينير الدرب لتحقيق الأفضل وفق المتوافر من الإمكانات المادية الهائلة، وما تم تكوينه من آلاف الكوادر في مختلف العلوم الإنسانية والتطبيقية، لكنها وللأسف كانت لا تزال تمثل كابوسًا يجثم على صدور العامة، من قبل مجموعة من المجرمين والفاسدين الخارجين عن كل الأعراف والأديان ونواميس الطبيعة.

أسقطوا النظام الشمولي الذي اتهموه بعدم قيام دولة المؤسسات طيلة فترة حكمه, لكنهم قضوا على كل مظاهر(الدولة)، الوزارات الخدمية لم يعد لها وجود, مجرد يافطات, أكوام القمامة في مختلف الميادين والساحات والطرقات تقف شاهدة عيان على مدى احتقار المسؤولين للعامة، وما تسببه من أمراض في ظل قطاع صحي متهالك، المشافي والمستوصفات خاوية على عروشها, المعدات تمت سرقتها وبيعها إلى القطاع الخاص، أما عن الأدوية فإنه يقوم بتوريدها تجار غير مهنيين, فهي إما معيبة التصنيع أو منتهية الصلاحية. قطاع التعليم العام، المباني في حالة يرثى لها من حيث حاجتها للصيانة، أما عن المناهج التعليمية فإنه تم تزوير الحقائق التاريخية وحشوها في المناهج لتعلق في ذهن النشء، إضافة إلى أن الكتب تصل جد متأخرة فلا يتم الاستفادة منها بشكل جيد، وبخصوص الطرق داخل المدن فإنه لم تتم صيانة المتهالك منها فما بالك عما كان مخططًا لتنفيذه.

الدستور الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو ما يسمى بالعقد الاجتماعي فإنه ورغم مرور أكثر من أربع سنوات، إلا أنه لم يبصر النور, لأن من يسيطرون على مقاليد الأمور يرون في وجوده نهاية عصرهم الذهبي, وربما إحالتهم على القضاء ليقول كلمته فيهم, وبالتالي يضعون كل العراقيل في طريقه, ولتتوالد الفترات الانتقالية ما أمكن إلى ذلك سبيلاً.

وزارة الداخلية وعلى لسان من توالوا على إدارتها, لم تتمكن من القيام بأبسط الأعمال لصالح المواطن الذي قامت (الثورة) من أجله!. بسبب تغوّل الميليشيات التي تمتلك من العتاد والوجاهة (قادتها), ما يجعلها تعيث في البلاد فسادًا, واليوم يتولى الوزارة أحد مجرمي الحرب بعد أن انضمت الميليشيات إلى الوزارة بقرار رئاسي, فأصبحت بامتياز وزارة للمجرمين.

مع مرور الوقت اتضح أن القضاء على المؤسسة العسكرية التي لم تكن في أحسن أحوالها, لكنها كانت تمثل اللحمة الوطنية وتحمي البلد من أي عدوان خارجي, كان الشغل الشاغل للثورجيين, فتعرضت مراكزها للتدمير الممنهج على مدى ستة أشهر متتالية, من قبل حلف الناتو وعملائه المحليين والإقليميين من عرب وعجم.

لقد استطاع الاسلام السياسي, وبفعل تآمره مع الغرب الذي أمّن له الغطاء السياسي في حربه لإلغاء نتائج انتخابات 2014 التي جاءت مخيّبة لآماله, فكان الدمار الشامل لقطاع النقل الجوي, ومن ثم استيلائه على العاصمة وأصبح يدير دفة البلاد, صاحبه اتفاق الصخيرات الذي أصبغ عليه صفة الشرعية, فأصبح رموزه الفاسدون -وإن حاول بعضهم تغيير ملامحهم وجلودهم- يتجولون في أروقة الكونغرس (معقل الديمقراطية), إنه العهر السياسي الذي يمارسه هؤلاء.

مشاريع متوقفة (سكنية وخدماتية) ذات نسب إنجازات مختلفة تفوق قيمتها المائتي مليار دولار, لم تقم الحكومات المتعاقبة باستكمالها رغم توفر الأموال بالخزينة العامة لأنهم لم يأتوا للإعمار, بل للخراب ونهب كل ما يقع تحت أيديهم أو في مرمى بصرهم, بل جعل من الشركات المنفذة المشاريع تقوم برفع دعاوى على ليبيا وتربح القضايا لاستنزاف الأموال المجمدة, أي السعي لإفقار البلد وجعلها رهينة البنك وصندوق النقد الدوليين.

رئيس المجلس الرئاسي المستحوذ على كافة المناصب(رئيس الدولة, رئيس الحكومة, القائد الأعلى للقوات المسلحة, وزير الدفاع), أصابه مؤخرًا الذعر من انتصارات الجيش في الجنوب وترحيب الأهالي به, فعمد إلى تكليف رئيس جديد لأركان قواته (الميليشياوية) ومعاون له, وآخر آمرًا لمنطقة سبها, قبول هؤلاء المناصب يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك بأن اجتماعات القاهرة بشأن توحيد المؤسسة العسكرية كانت عبثية من قبل الرئاسي لربح الوقت ومحاولة بث الفرقة بين أبناء المؤسسة العسكرية. كما أن السيد رئيس المجلس الرئاسي قام بمكافأة أقطاب الصخيرات الذين دفعوا به إلى سدة الرئاسة, بتعيينهم في وظائف دبلوماسية (سفراء وقائمون بالأعمال وملحقون), منذ أيام قليلة أصدر السراج قرارًا بتعيين, جمعة القماطي صاحب حزب التغيير ليس ممثلاً بالبرلمان, ليكون مبعوثًا شخصيًا له لدى دول المغرب العربي, كما قام باستجلاب بعض أركان النظام السابق (الذين أصبحوا بلا مأوى ويبحثون عمن يتبناهم) للعمل معه حيث أصدر حديثًا قرارًا بتكليف أبوبكر المنصوري وزيرا للزراعة.

الثورجيون وفي ذكرى تدميرهم البلد وتشريد أهله والسطو على مقدراته, وبفعل النكسات التي أصيبوا بها على يد القوات المسلحة التي عملوا المستحيل لتدميرها, أصابهم الذعر, لقد أصبحوا أجسامًا غير مرغوب فيها, بفعل تفطن الشعب إلى أعمالهم الإجرامية, فعمدوا إلى تنظيم ملتقى لهم في غريان, يعلنون فيه أن أهداف 17 فبراير لم تتحقق, وأنهم سيسعون إلى تحقيقها بكل السبل والثورة مستمرة, إنها ولا شك محاولة بائسة وطائشة وشعورهم بدنو أجلهم المحتوم, رقصة المذبوح في لحظاته الأخيرة.

ليس المهم أن تحتفلوا بذكرى استيلائكم على السلطة, فالأضواء المبهرة والألعاب النارية التي تحاولون إقامتها بالميادين والساحات, تقابلها الشموع الخافتة التي يتحملق حولها أبناؤنا لمذاكرة دروسهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي ولساعات طويلة, رغم إهداركم بلايين الدولارات لأجل شراء مولدات الطاقة الكهربائية, قد تستقبلون وفودًا من الدول التي نصّبتكم والتي ساهمت في تدمير الوطن وتفرشون لهم البسط الحمراء, لكنكم تظلون أرخص العملاء, وستشهد بذلك السرايا الحمراء, الأرشيف باقِ فلا يغركم الثناء, وآخرون قد يحتفلون بالمناسبة خارج الوطن (السهرات ما لذ وطاب من الطعام والشراب) من ثرواتنا التي حرمتمونا إياها, وبالكاد نستطيع الإيفاء بالقليل لأجل البقاء على قيد الحياة.

مدننا ليست مملة كما ادعى البعض رغم قلة الإمكانيات, لكنها ستظل رغم الجور والظلم والفاقة أرضًا طيبة تحضن الغيورين عليها, وستزول المحن والشدائد رغم مرارتها, وتنعم البلاد بالحرية والخير والعطاء, وسيرحل العملاء, إلى حيث ارتضوا العيش في كنف الأعداء, فلا نامت أعين الجبناء.