Atwasat

"ملاعبية ليبيا" الأرض المحروقة تحول أقدامهم إلى أجنحة

أحلام المهدي الإثنين 04 فبراير 2019, 06:00 مساء
أحلام المهدي

كما تفتح أصابع عازف البيانو لصاحبها أبواب القلوب، فإن أقدام لاعب كرة القدم تجعل كل الأبواب مشرعة في وجهه، ورغم أنّ سبتمبر حاولت تجريد لاعب كرة القدم الليبي من اسمه وجعله مجرد رقم يلهث وراء حلم بعيد, فإنها أخفقت بسبب هوس الليبيين بهذه اللعبة، وانتشار أسماء اللاعبين في الأوساط الشعبية التي عرفتها و فرضتها في المدرجات و في "المرابيع"، لتعود أيضًا إلى ألسنة المعلقين وسطور أخبار الصحف اليومية.

فقد اختفت كل الساعات والمنبهات ذات يوم وحلت محلها الموسيقى الشهيرة لفقرة الصباح الرياضي التي امتزجت بصوت "محمد بالراس علي" المنبعث من كل راديو في البلاد، لتكون سببًا كافيًا للاستيقاظ باكرًا مهما كان المستمع كسولًا.

ورغم ذلك فإن الأقدام الليبية اكتفت بمداعبة الكرة على ملاعب أرض الوطن، ربما بسبب عقلية الليبي التي لا تميل للاغتراب عن محيطها الاجتماعي ولم تكن تعتبر كرة القدم أكثر من مجرد هواية، وقد ساعدت الانفراجة الاقتصادية التي عاشتها الأندية الليبية قبل فبراير 2011 على تغذية الطموح المالي للاعب الليبي فركز على الأندية المحلية لا يبرحها أبدًا، وبذلك تكاتفت الظروف لتمنع التاريخ من تسجيل أي تجربة احترافية باسم ليبيا.

إلى أن جاء "البرنس الليبي" الذي زاد من شعبية الدوري التونسي في ليبيا وأجبر الليبيين على متابعة الدوري التركي و الاستماع لمعلقين لا تُفهم منهم إلا كلمة واحدة هي "التايب" باللام القمرية، وبشغف كبير أيضًا صرنا خبراء في الدوري السعودي ولاحقنا عبارات الغزل التي كان أشهر المعلقين العرب يصفون بها جمال أداء التايب في الملعب, وإن غابت كؤوس الإنجازات عن الخزائن الليبية فقد حملها لاعبون ليبيون، وإن كان "الشان" إنجازنا اليتيم فإن كأس الاتحاد الأفريقي الكونفيدرالية حملت بصمة ليبية في مناسبتين، رغم ذهابها إلى خزائن فرق أخرى.

تغير الحكام اليوم وتغيرت الظروف، ولم يعد اللعب في الأندية الليبية ترفًا يحلم به اللاعب، وبالتوازي مع تصاعد الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد تصاعد مؤشر خفي قد لا نعيره أي اهتمام، وهو تحول الأقدام الليبية إلى أجنحة لمحاولة التحليق في ملاعب العالم، فانضم سند الورفلي إلى التايب في إنجازه القاري عام 1999، ورفع مع فريقه الرجاء البيضاوي المغربي كأس الاتحاد الأفريقي الكونفيدرالية في ديسمبر الماضي 2018.

ليس من السهل أن يسطع نجم في ملاعب شمال أفريقيا لكن المعطيات تغيرت وستتغير النتائج، فأخبار حمدو الهوني مفرحة جدًا منذ الخطوة الأولى له مع الترجي، بل يبدو أننا سنتابع أخبار الدوري التونسي بانتظام لنعرف أخبار المهدي الكوت مع اتحاد المنستير، ويحيى صولة مع الملعب القابسي وطارق الصيد مع الملعب التونسي، وسنتابع أيضًا تألق النجم مؤيد اللافي على الملاعب الجزائرية.

كذلك فإن محمد منير وإسماعيل التاجوري لم يهتما كثيرًا بقرار "ترامب" السياسي المتعلق بحظر سفر الليبيين إلى بلاده، فأقدامهما أقوى من أي جواز سفر في العالم، وهي ما أبعدتهما عن هذا القرار وفتحت أمامهما أبواب الملاعب الأميركية.

قد يكون لنا موطئ قدم نستحقه ونحتاجه أيضًا في أوروبا، ففي البرتغال بلد الدون الذي يعشقه الكثير من الليبيين كريستيانو رونالدو، حيث لا يسطع إلا النجوم الحقيقيون احتفت الصحافة الرياضية هناك بالليبي المعتصم المصراتي وشبهته بنجم وسط ارتكاز ريال بيتيس الإسباني والمنتخب البرتغالي "ويليام كارفالو"، بل وصفت الإثنين بالتوأم.

نعرف البرتغال جيدًا، لكن بعضنا قد يجهل الموقع الجغرافي لمونتينيغرو، حيث استقر زكريا الهريش ليلعب الفوتبول هناك، للمرة الأولى في تاريخ الكرة الليبية عشرات اللاعبين سيلعبون خارج ملاعبنا السيئة، لكن ليس بعيدًا عن الجمهور الليبي الذي سيلاحقهم في كل مكان من العالم، وسيحتفل معهم بإنجازاتهم التي يراها البعض بعيدة وأراها قريبة، وسينعكس هذا حتمًا على المنتخب وعلى مستوى الكرة في البلاد، عندما يتحول الهواة إلى محترفين ويسيرون على صراط المجد والإنجازات.