Atwasat

عام مضى ويأتي عام.. بين الرؤى والأوهام

عادل سلامة الأحد 30 ديسمبر 2018, 04:10 مساء
عادل سلامة

هذا عام مقبل بتغيرات بعضها هادئ وبعضها عاصف، لكنها تغيرات تقتضي أن يتحصن مَن يريد الفوز أو النجاة على الأقل برؤية شاملة.

أن تمتلك رؤية، فهذا يعني أنك في حال نهوض وتتطلع إلى مكان أرقى ترى أنك ـ كوطن ـ تستحقه، أو أنك في حال تعثر، لكنك أجدت قراءة حالك المتعثر، أسباب انحدارك إليه، عقدت العزم على تجاوز هذا الحال، الدخول في طور النهوض بالسعي لامتلاك أدواته، حسن استخدامها على أفضل الوجوه في سباق لا ينتظر ولا يرحم مع زمن لا ينتظر ولا يرحم. امتلاك رؤية شاملة لمصير، مسار الوطن هو واحد من الشروط الضرورية لتجد لنفسك كوطن مكانًا تحت شمس تحجبها حاليًّا بعض الغيوم، الضباب الذي يلازم مرحلة انتقال مراكز القوى العظمى على الكوكب من مكان لمكان آخر.

هي غيوم لا تحجب ضراوة الصراعات، لكنها قد تشتت انتباه مَن لا يجيد القراءة أو يتشبث بماض ولى، أو يتعامى عامدًا عن مشاهد تتبدل، صراعات تتخذ أشكالا جديدة خرج بعضها عن نطاق الجاذبية الأرضية ليحلق عاليًا في الفضاء على شكل أجيال جديدة من الأسلحة التي لم تتم تجربتها، ندعو الله أن لا تتم هذه التجربة. 

هذا كله إضافة إلى ضرورة أن تعي وتحدد بوضوح، مَن هو عدوك الموقت، لظروف متغيرة قد تتبدل فينتهي العداء، مَن هو عدوك الوجودي الذي تحكم علاقتك به معادلة بسيطة: إما أنت وإما هو كالعدو الصهيوني على سبيل الحصر، ليس المثال.. مهما تعامى أو تجاهل أي طرف عن هذه المعادلة البسيطة.

بعد هذا تأتي ضرورة أن تكون هذه الرؤية خارجة بواقعية من رحم التاريخ، الجغرافيا واتجاهات الرأي العام حتى تحظى بدعم جيشها، سندها الاستراتيجي وهو القبول الشعبي العام أو شبه العام بهذه الرؤية، تبنيه لها، الرؤية هي خارطة طريق، هي هدف نهائي في آن واحد تجمعهما ضفيرة واحدة لا غنى لهما عن الدعم الشعبي الذي يحملها إلى أرض الواقع، يتحمل في سبيل تحقيقها ما سوف تفرضه الظروف من تكاليف، تضحيات، بل بعض الانتكاسات.

فما هو موقع مصر من هذا كله؟ وما هي مواقع دول مثل تركيا وإيران في الجوار، وأخرى جرى زرعها في المنطقة؟

مصر
دون الدخول في تفاصيل.. قدر مصر في العصر الحديث بدءًا من تجربة محمد علي، حتى تجربة عبد الناصر أن تستشعر التغيير الدولي في موازين القوى، تمتلك الرؤية التي تدفعها بقدر من التوفيق أو الفشل للنفاذ إلى مستوى آخر على خريطة التوازنات الدولية.. الأمر الملح يتعلق بأننا أمام تغييرات دولية، انتقال ضخم لمراكز القوة تبدو بداياتها في الأفق واضحة لكل ذي عينين، والمطلوب أن تكون لمصر رؤيتها الخاصة وقراءتها الصحيحة للوضع الدولي الراهن ومآلاته. 

تركيا
هي قوة عظمى إقليمية شئنا أم أبينا، وهي تعي موقعها الاستراتيجي بالغ الأهمية، الخطورة لكل القوى المهتمة بالمنطقة، وهي حاليًا في حال الانتقال من رؤية استراتيجية لأخرى، هي ودعت التبعية الكاملة الذليلة للغرب، لكنها لم، ولن، تستقل بنفسها في الأفق المنظور على الأقل.

حاليًا هي تتبنى رؤية تقوم على تعظيم قيمتها بين المعسكرين، تصل ولا تقطع، تناور بين الطرفين لأنها استوعبت جيدًا أن هذه مرحلة انتقال مراكز القوى من الغرب إلى العملاق الصيني، بجواره، روسيا، رؤيتها هي رؤية التاجر الذي يقف على مشارف السوق يشاهد حركة البيع، الشراء، يعرض بعضًا من بضاعته لصاحب السعر الأعلى، بينما يناور بباقي البضاعة، يبقيها إلى المستقبل.

إيران
هي نموذج الدولة/الأمة، التي تمتلك رؤية صاغها التاريخ، الموقع، المذهب الديني/ السياسي، المهارة البالغة في قراءة كل ما حولها، الاستفادة منه على أفضل الوجوه.. طموحها، رؤيتها أن تصبح هي سيدة الإقليم بكامله وهو في نفس الوقت قد يكون مقتلها.. فقد تمددت إيران فيما يبدو بأكثر مما يمكن أن تسمح به قوتها الذاتية أو تحالفاتها الإقليمية، الدولية.. تمددت إيران فوضعت لها مواطئ أقدام في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى وجودها الطبيعي على الخليج العربي، بحر قزوين.

إيران تقف على مفترق طرق بين مواجهات محدودة أو مفتوحة مع قوى كبرى دولية، إقليمية إذا لم تدخل تعديلات جوهرية على رؤيتها التي تسير وفقها.
يجيد الإيرانيون التفاوض، المساومة، نسج الشباك، السجاجيد الشهيرة، هي على موعد مع استحقاقات صعبة في العام المقبل.

الكيان الصهيوني
يمتلك ذات الرؤية التي تسير على نهجها تركيا وإيران.. أن يصبح القوة العظمى الإقليمية صاحبة القرار في الإقليم بأكمله.. هذا الكيان الذي يمتلك الكثير من وسائل القوة سياسيًّا وعسكريًّا يقف بدوره على مفترق طرق.. فقد أصبحت الصواريخ الإيرانية على كامل حدوده البرية، ليس لحلفائه أو أصدقائه العلنيين، السريين القدامى، الجدد في الإقليم الكثير ليقدموه له، هو يرى نفسه كما وصف هذا الكيان نفسه ذات يوم «حاملة الطائرات الأميركية التي لا تغرق»، لكن.. تبدو أميركا ذاتها على مفترق طرق، اهتزازات ليس من السهل عليها تجاوزها.

----------------------------
* كاتب مصري