Atwasat

علم وأخلاق

د. مها المطردي الخميس 20 ديسمبر 2018, 10:59 صباحا
د. مها المطردي

لدى الناس إصرار عجيب على الربط بين العلم والأخلاق أو بين القراءة و تهذيب النفس، فهم يصابون بصدمة في كل مرة يسمعون فيها تُهما وّجهت لأحد مشاهير العلم. خصوصا إذا كان العالم من الوزن الثقيل. الحقيقة أنه لا توجد أي علاقة بين العلم والأخلاق.. والحقيقة أن العلم لا يستطيع أبدا أن يُميز بين الحسن والقبيح ولا بين الخير والشر ولا بين الفضيلة والرذيلة لأن موضوعه هو تفسير الواقع و ليس الحكم عليه. السؤال الكبير في العلم هو سؤال الوصفة التقنية "كيف".. هو يُجيبك كيف تصنع طائرة عسكرية ولكن لا يُجيبك إذا كان إطلاق متفجرات بها على التجمعات السكنية عملا لائقا أم لا.. هو يُجيبك كيف تصنع قنبلة نووية ولكن لا يستطيع أن يكون حكما على فعلك إذا قررت أن تفني البشرية جميعا بهذا السلاح.. هو يجيبك كيف تقوم باستنساخ لملايين البشر لكن لايهمه إن تم استنساخهم وولدوا بدون نسب عائلي.. و هكذا.. ويمكن أن هذا أحد الأسباب اليي جعلت الفيلسوف الألماني هايدغر يقول: "إن العلم لا يفكر في ذاته". نعم العلم أصم يفسر ولا يشعر.

طبعا هذا مجرد تفسير نظري بسيط لعدم وجود أي علاقة بين العلم والأخلاق.. أما واقعيا فمن أراد أن يتأكد فليقرأ سير العلماء و سيتأكد بنفسه من الانحطاط الأخلاقي للكثير منهم. "جاوس" العظيم على سبيل المثال.. كان عظيما علميا فقط لكنه كان إنسان بشعا.. دمر حياة أناس كثر كما يُروى.

ابن خلدون.. العالم الموسوعي والمفكر الذي يفخر به المسلمون.. لم يكن سوى متملق ومتنقل بين قصور الأمراء.. وختم حياته بالخضوع و التذلل لتيمور لنك واصفا إياه بالقائد الذي لم تنجب البشرية مثله. نصير الدين الطوسي.. الرياضياتي والفلكي المسلم.. كان وزيرا لهولاكو.. و شجعه على غزو بغداد و استباحة أهلها وكان سعيدا جدا بإسقاط الخلافة العباسية.

العالم الرياضياتي "ليبنيتز".. كان أيضا دبلوماسيا مرموقا في أوروبا.. لازال يزور فرنسا و يُرسل الرسائل إلى "نابليون" ليغريه بغزو مصر حتى حصلت الحملة الفرنسية عليها.

- "نيوتن" أحد أعظم العلماء في تاريخ البشرية. كان شخصا بغيضا يعمل على تحطيم كل من ينازعه. دخل في نزاع مع "ليبنيتز" حول من هو رائد علم التفاضل والتكامل، فكان يكتب مقالات وينشرها بأسماء أصدقائه في الصحف للانتقاص منه، وعندما أخطأ "ليبنتز" بحسن نية وطلب التحكيم من الجمعية الملكية، والتي يرأسها "نيوتن" نفسه. شكل "نيوتن" لجنة محايدة كل أعضائها من أصدقائه، وكتب تقريرها بنفسه وبالطبع انتهى التقرير إلى اتهام "ليبنتز" بالسرقة والانتحال، وعند موت "ليبنتز" أعلن سعادته بتحطيمه لقلب "ليبنتز".
وهناك صراعات كثيرة غيرها ملغية من طرف البحاث. ذُكرت في كتاب "ستيفن هوكينغ": تاريخ موجز للزمن.

هذه بعض أخلاق العظماء بعيدا عن التحرش والمثلية والعلاقات النسائية، حيث حديثا ظهر أن عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي "نيل تايسون" متهم بالتحرش، وقبله بشهور ثبتت التهمة نفسها على زميله الفيزيائي "لورانس كراوس"، ويبدو أن التحرش ظاهرة في الأوساط العلمية أكثر منها في الأحداث الفردية أو المعزولة.

إن العلم الطبيعي غير معني بمسألة القيم، مسألة القيم تناقشها الفلسفة والأديان وربما تخصصات إنسانية أخرى.. أما العلم فهو لا يُسوي قيمنا ولا فضاءلنا، ولقد لخصها لنا رسولنا الكريم في قوله: "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام".