Atwasat

سيجارة باموق!

أحمد الفيتوري الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 11:12 صباحا
أحمد الفيتوري

النظرة المركزية الغربية
زار الروائي التركي أورهان باموق الولايات المتحدة شابا رفقة زوجته التي تدرس هناك، ولم يكن يمارس التدخين وفي وسط جيله الأمريكي واجه السخرية فالتهكم، وعللّ الساخرون تهكمهم منه بأنه لا يدخن السجائر لأنه من بلد متخلف، وواجه معاناة من أثر ذلكم.

فيما بعد وعقبّ حصوله على جائزة نوبل دُعي ككاتب مرموق لزيارة الولايات المتحدة، وكان قد أصبح مُدخنا شرها لهذا طلب أن يسمح له بالتدخين في استراحات تقتطع من وقت المحاضرة التي يُلقيها، قوبل تدخينه بالسخرية فالتهكم وبأنه من بلد متخلف، اللافت للنظر أن الكثير من الحاضرين من جيله ممن سخروا منه في المرة السابقة لأنه يدخن!.

وبهذا في الحالين نُعت أورهان باموق بالتخلف فلم تغير جائزة نوبل حاله هذا، وقد ذكر الحادثة في مقال له عن السجائر وعلاقته بها، هو الآن لم يعد مدخنا لأسباب خاصة به، لكن لا أظن أن هذا سيزحزح عنه التهمة الملصقة به قيد أنملة رغم التغير الذي طرأ عليه أيضا.

هذه الواقعة تبين النظرة المُحددة والنهائية للعالم من قبل ما عرف بالمركزية الغربية، هذه المركزية ما اهتم به المفكر إدوارد سعيد وغيره بتفكيكها وتحليلها، حتى عرف هذا التيار الفكري "بما بعد الاستعمار".

وهذه النظرة ليست بدافع سيكولوجي محض أي ليست نتاجا للاستعلاء الإمبريالي، بل هو الإمبريالية ذاتها التي تعلل وجودها فيما تفعل لتكون، أي لكي تحصد مصالح ونفوذا فلا بد أن تحافظ وتجعل الدول التي تستعمرها ثم تهيمن عليها كدول متخلفة أو متطورة كما تبتغي مصالحها. حين خرجت الولايات المتحدة من الحرب الكبرى منتصرة ودخلت في حرب دعيت الباردة مع الاتحاد السوفييتي، الحرب الباردة في أوروبا جعلت ساخنة في شرق آسيا وشبه الجزيرة الكورية، أما لمواجهة التحالف السوفييتي الصيني فقد دعمت أمريكا أوروبا الغربية كحليف بمشروع مارشال، وكانت ألمانيا الغربية الدولة المرعية الأولى في هذه المواجهة والثانية العدو السابق اليابان من ركع بالنووي.

ما سمي بالعالم الثالث تم المحافظة عليه كمستعمرات في صيغة دول تابعة تنتج المواد الخام والأيدي العاملة أي دول متخلفة، ما حين منحها الاستقلال السياسي كانت الدول المتحررة المعادية للاستعمار ولكن الحليف أو شبه الحليف في مواجهة (الإلحاد والشيوعية)، وبالتالي أنتجت الإمبريالية الأمريكية مفهوم التنمية لتلك الدول لأجل معاضدتها في مرحلة الحرب الباردة، ما فيها جعلت هذه البلدان في حروب بالوكالة عن الدول النووية التي باتت الحروب بينها في محل شبه المستحيل ما يعني الفناء ما بعد النووي.

في الحرب الباردة مسموح اعتبار أن التخلف من آثار الاستعمار، ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة أمست قولة الاستعمار والحديث عن آثاره ونفوذه ومصالح الدول الإمبريالية بمثابة نظرية مؤامرة.

بالتالي تخلف باموق سببه إرادته الذاتية، فهو المتخلف المريد للتخلف، ولا دخل لأحد ولا مصلحة فإنه باق إلى الأبد ومنذ الأزل كمنتج للتخلف للمواد الأولية لمصالح ولنفوذ الإمبريالية التي باموق خالقها ودافع وجودها، والقول بغير ذلكم نظرية مؤامرة ليس إلا...

أعطاب نخبة عربية!
كتبت على حائط صفحتي بالفيس بوك حول الحداثة العربية بأن ملخص ما أنتجت ذم وقدح للشعوب في ماضيها وحتى مستقبلها، ومرة أخرى كتبت حول سرقة بريطانيا وبلجيكا للأموال الليبية المجمدة في بنوك هذه الدول بقرار دولي صدر منذ سنوات سبع ومازال ساري المفعول، وفي الحالتين شدتني التعليقات المقتضبة على ما كتبت. وفي الحالة الأولى التي تخص الحداثة كانت التعليقات متعجلة ولم تقرأ ما كتبت ولهذا جاءت في صيغة ذم لشخصي، لكن هذا التعجل دفعني إلى أن أكتب ما أكتب، أما في الحالة الثانية فقد أثارني التبرير غير المنتبه لفعل السرقة للمال الليبي، حيث ملخص ما كُتب استعادة للمثل الشعبي "المال السايب يعلم السرقة"، فالمثل يُشير إلى أن المال الذي لا يحرص عليه صاحبه يخلق سارقه.

ما المشترك بين الحالتين؟ السؤال الأول الذي يخطر على بال القارئ العجول، من أشبع فضوله فأكد له أن المشترك ذم وقدح الذات، والانقلاب الذي أعلنته نخب كانت تمدح وتمجد هذه الذات. ولن أذهب به بعيدا فأذكره بموقف هذه النخب عام 2011م ثم الانقلاب بعد عامين أو أكثر قليلا، وذلك بالضبط أثناء الربيع العربي حيث انهمر سيل عرمرم في تمجيد الذات، ومقدرتها الخارقة على التجاوز وصناعة الثورة والتغيير، وقد خص بذلك الشباب من هم أغلبية شعوب المنطقة الذين قاموا بالقيامة الآن.

هاتان الواقعتان أي ما كتبت وما علق على ما كتبت من أثارهما خطرت في بالي الأنشوطة التي تمسك بحلقوم ما دعي التنوير العربي، وهي ما نسب أحد السرياليين العرب المعروفين لرفاعة الطهطاوي: "الفرق بين الغرب والعرب نقطة"، هاته النقطة وضعت على السطر وفي الحلق واكتفي بترديدها منذ قرن الطهطاوي وحتى ما بعد الحداثة العربية كالحمار يحمل أسفاره، قدح الذات وقدح العقل وقدح ما أنتج منذ وجد وحتى نهاية التاريخ (العربي) والتقلب أحيانا بين الأصالة الفذة والمعاصرة الجزرة المعلقة على عنق الحمار، الحمار الذي التوت رقبته إلى الخلف حينا ينظر بغضب لكن أغلب الأحيان الخلف الجنة الموعودة أو العود الأبدي، ذا الخلف مقسوم قسمة ضيزى بين ابن تيمية وابن رشد، وعلى حد سيف هذا الخلف يتداعك المتنورون و الظلاميون.

ولم ينشغل بوجود نقطة الطهطاوي من غيرها مسلمو ماليزيا، ولا اهتم شيوعيو الصين بنظرية للسلاح وعليه لم ينشغلوا بإنتاج سلاح النظرية، أما نمور آسيا فلم يجدوا الوقت حتى لمحو الأمية، رواندا لم تبحث في الطريقة ولا سألت: عم هي الماهوية، فقد كانت غارقة في دماء مليون جثة نتاج الحرب الأهلية وفي فترة وجيزة اجتازت المذبحة.

فهل غادر الشعراء من متردم؟ على قولة عنترة بن شداد!