Atwasat

انتخابات بدون "ايمانوميتر"!

صالح الحاراتي الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 10:48 صباحا
صالح الحاراتي

"لا شيء مثاليا في هذه الحياة". تلك بديهية أعتقد أنها جديرة بأن تأخذ مكانتها المهمة والمرموقة في عقولنا، إذا قررنا أن نغير حياتنا إلى الأفضل، فتراكم المعرفة والتدرج والتطور هو سمة الحياة على هذا الكوكب، وسيبقى الإنسان خطأ ولن يوجد من هو معصوم من الخطأ على هذه البسيطة، ولذلك وجب ألا نغفل عن أن الرادع الأخلاقي النظري لن يجدي في جعل حياتنا خالية من العيوب، فالحياة رحلة من الترقي في سلم الإنسانية والكمال المثالي سيبقى أمرا مستحيلا، ولذا لا مفر من قوانين تحكم سلوك البشر حتى تكون حامية لهم من الظلم والفساد، وملهمة لهم للترقي والتطور، ومن تلك القناعة ابتدعت البشرية القوانين والدساتير الناظمة لحركة المجتمع.

لقد بات من المؤكد أن خطب الوعظ والإرشاد كخطب الجمعة التي نكررها ونجترها بحماسة بالغة منذ قرون لم ولن تجدي لإحداث التغيير رغم تلك الحماسة والتكرار.

عند الحديث عما يخص حالنا السياسي الذى يترقب الانتخابات كمخرج من الانسداد الحاصل في العملية السياسية، فأعتقد بعد كل ما عانيناه طوال السنين السابقة أن هناك حقيقة تبرز أمامنا فحواها أنه لا مجال في أي انتخابات قادمة لقبول الخديعة بتلك المعايير الهلامية التي تقول أن فلانا "راجل طيب ويخاف ربي" فقد أثبتت الأيام أنه معيار هلامي لا مجال للحكم عليه أو قياسه والتأكد منه إلا إذا كان هناك عقل متوهم يفكر في ابتكار لم يولد بعد قد يسمونه "ايمانوميتر" على شاكلة "الترموميتر"و"الباروميتر"هو الجهاز الوهمي الذي لم يتم اختراعه حتى الآن، لقياس مدى مصداقية الإنسان الذي يوصف بأنه "يخاف ربي"!، ولم يجرؤ حتى الآن من يوزع صكوك الإيمان علانية وبشكل مباشر، وفي نفس السياق الأمر ينطبق أيضا على مغالطة أخرى تقول هذا "رجل وطني" لأن ذلك أمر يصعب الوثوق فيه وقياسه إلا بناء على أهواء شخصية، تحب فلانا فتقول هذا يخاف ربي وهذا وطني تبغض آخر فتقول فيه الأقاويل دونما برهان ولا معيار حقيقى إلا ما تتوهمه.

لا ثقة لدي في أي إنسان إذا لم يختبره المجتمع من خلال ممارسة وعمل وتحت متابعة ورقابة ومحاسبة لأنه غالبا سيصببه فيروس الفساد دونما شك.

إن تقديس الأفراد خطيئة كبرى مهما كان حسن ظننا بهم.. وآفة ابتليت بها مجتمعاتنا منذ قرون ولا زالت تفعل فعلها حتى اليوم، وفي كل مرة نبتكر ونصنع صنما "دكتاتورا" نضعه فوق مصاف البشر ونعلق كل آمالنا عليه، مرة باعتباره "يخاف ربى" ومرة باعتباره وطنيا، ثم نكتشف أنه بشر يصيبه الكبر والغلو والفساد.

يقول الكاتب إبراهيم البليهي إن تعظيم فرد من الأفراد وحصر الحقيقة فيما يقول أو يكتب من أسباب تخلف الأمة وواحد من الطرق المؤدية إلى السقوط، لأن أصالة النقص البشري أرسخ من احتكار المعرفة المطلقة التي تنتج عن تقديس الأشخاص مهما كانت مستوياتهم العلمية والفكرية، و“إذا بالغت أية أمة في تعظيم فرد واحد من سالف علمائها أو حصرت فهم الحقيقة ببضعة أفراد ممن كان لهم نصيب من التميز أو الشهرة من أبنائها وتوقفت بمعارفها عند إنجازات أولئك، فإنها بذلك تعلن أنها تجهل أصالة النقص البشري الملازم حتى للعظماء المبدعين كما تجهل أن لكل جيل نصيبه من العظمة والإبداع وأن المعرفة الإنسانية عملية تراكمية تنمو باستمرار”.