Atwasat

العُرف!

صالح الحاراتي الأربعاء 05 ديسمبر 2018, 11:03 صباحا
صالح الحاراتي

العُرف هو مجموعة من المفاهيم أو المعايير الاجتماعية أو المقاييس المتفق عليها أو المنصوص عليها والمقبولة بشكل عام، والتي كثيرًا ما تأتي في صورة عادة، وقد تتحول أنواع معينة من القواعد أو العادات إلى قانون غير مكتوب، والخلاصة ان العُرف كلمة تشير إلى عادات غير مكتوبة يتشاركها أفراد المجتمع بالرضا والقبول.

وأظن أن ما يستحق التساؤل هنا هو، هل الدين أقوى من العرف والعكس، وما مدى تغلغل العرف في الدين بحيث يصبح جزءا منه؟.

ما أثار هذا الأمر في ذهني هو إصرار عموم الناس عندنا وفي هذه السنة، على الاحتفال بالمولد النبوي كما تعارفوا عليه من قديم الزمان، وذلك من خلال أكل معين "العصيدة"، بالإضافة إلى الاحتفاء الفني بخروج الناس والتفافهم حول التواشيح والإنشاد الديني وفن المالوف الذي يؤديه المنشدون وهم يخرجون من الزوايا الصوفية في مسيرات راجلة في شوارع المدينة، وتشعل القناديل والشموع "الخميسة" وما إلى ذلك من مظاهر الفرح والسرور.

لقد كان الاحتفال هذه السنة كبيرا بعد غياب ومنع استمر سنوات وأظن أنه جاء كرد فعل لفتاوى المنع التي تبناها البعض واستمر ترديدها طيلة السنوات السابقة، وهي فتاوى آتية من خارج البلاد ولم تجد لدى أغلبية الناس آذانا صاغية.

هناك من فسر الأمر وقال إنها خصلة العناد والرفض لأي إكراه أو إلزام يخالف ما تعارف الناس عليه! وربما في ذلك الكثير من الصحة. ولكني أكاد أجزم أنه تعبيرعن تمسك الناس بالعرف والهوية الوطنية في مواجهة الوافد الغريب الذي جاء من فتاوى الخارج، خاصة وقد لمسوا ما أدت له تلك الفتاوى الوافدة من خلخلة النسيج الاجتماعي وما أنتجته من تطرف وإرهاب وعنت وتضييق على حياة الناس. وأظن أن ما حدث هو استفتاء بالرفض لتلك الفتاوى والمذاهب التي حاول البعض ترويجها طيلة السبع سنين السابقة.

وفي سياق متصل وباستحضار ما ورد في نصنا المقدس وما قرأته في تفسير المنار للآية "خذ العفو وأْمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ".. بعد سرد عدة روايات يشير إلى قول الزمخشري في تصويره معنى العفو بما تعطيه اللغة، فقال (والعفو ضد الجهد، أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم، وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة، ولا تداقهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى ينفروا كقوله - صلى الله عليه وسلم - يسروا ولا تعسروا، والمختارعندنا أن المراد بالعفو هو من أصول آداب هذا الدين وقواعد شرعة اليسر وتجنب الحرج وما يشق على الناس، وقد خالف هذه القاعدة الأساسية أهل الفقه المقلوب، فجعلوا العسر والحرج من أهم قواعد الدين وأصول الشرع فعلا لا تسمية، رغم ما صح في الأحاديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما".

وها نحن نشهد على فئة من المعسرين، أصحاب الفتاوى الوافدة، لا يخير أحدهم بين أمرين إلا اختار أعسرهما. هكذا كان الاحتفال المهيب بمولد الرسول الكريم في ليبيا ردا حاسما واستفتاء من عموم الناس على أن المستقبل سيبقى تحت مظلة اليسر لا العسر والتمسك بكل ما صار له صلة بالهوية الوطنية.