Atwasat

وجهان من التراجيديا السياسية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 28 أكتوبر 2018, 11:34 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

ثمة في التاريخ السياسي شخصيات يمكن وصفها بأنها شخصيات تراجيدية بامتياز. شخصيات تدفع بها جملة ظروف موضوعية وبواعث ذاتية إلى محاولة لعب دور في أوضاع تاريخية، من تاريخ أمة أو شعب، بالغة التعقيد وسريعة التحول والجريان، إلا أن عوامل متعددة ومتنوعة تتضافر ضدها، فتحبطها وتفشل جهودها ومشروعها وتتلاعب بمصيرها.

في التاريخ الإسلامي يمثل هذه الحالة خير تمثيل (ونحن هنا نتكلم من وجهة النظر التاريخية والسياسية بعيدا، عن أي نوع من القداسة) علي بن أبي طالب. ذلك أنه حدثت تحولات مهمة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، الذي اتهم على نطاق واسع، ومن قبل بعض الصحابة (الطبقة أو النخبة السياسية العليا) الذين يعتبرون رفاقه في بسط نفوذ الإسلام، أنه حاد عن نهج الرسول وسيرة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، الخليفتين السابقين عليه. علت ضده الاحتجاجات في المركز، المدينة ومكة، وتصاعدت في الأقاليم ما أسفر عن مقتله من قبل جمهور ساخط قادم من مصر والكوفة والبصرة، وهو أول خليفة يقتل في ثورة سياسية.

أدى مقتله إلى مزيد من التعقيدات بحيث انقسم الجمهور الإسلامي إلى قسمين كبيرين، قسم معارض لخلافة علي فيه معاوية بن أبي سفيان المنتمي إلى البيت الأموي الذي ينتمي إليه عثمان والذي اعتبر نفسه ولي الدم ويطالب بالقصاص من قتلة عثمان ويحمل عليا بن أبي طالب مسؤولية التحريض على مقتل عثمان ومسؤولية تسليم الجناة وفيه "أصحاب الجمل" ثم الخوارج، وقسم يتقدمه علي بن أبي طالب، الذي تولى الخلافة ويرى نفسه خليفة شرعيا واجب الطاعة. وفريق صغير فيه عدد من الصحابة اعتزل القسمين المذكورين.

في خضم هذه الظروف تمت، بعد خمسة أيام من قتل عثمان، مبايعة علي خليفة من قبل أهالي المدينة. وإذن تكون "المدينة، الكوفة، البصرة، اليمن وأمصار أخرى في الجزيرة العربية قد اعترفت بعلي، ربما بطريقة مرتجة، وسط التردد والقلق"1. فمن البداية كان أمر خلافة علي مهتزا وساهم في هذا الاهتزاز إحجام بعض الصحابة المهمين عن مبايعته مثل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأسامة بن زيد بن ثابت الذين كانوا ممن آثروا الحياد ولم يتدخلوا في الصراع والنزاع. إلا أن أول عصيان مسلح ضد خلافته جاء من صحابيين مبشرين بالجنة، هما طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام إضافة إلى عائشة زوجة الرسول الذين سيعرفون بـ "أصحاب الجمل". إضافة إلى عصيان معاوية بن أبي سفيان والي الشام، ثم انشقاق من سيعرفون باسم الخوارج. فمنذ البداية وجد علي نفسه في معمعان معارك دموية هائجة مع أكثر من طرف وخذلانات وإحباطات ودوامة أحداث متسارعة تفوق ما لديه من إمكانيات وما في يده من مقاليد السلطة، إلى جانب نقطتي ضعف واضحتين في شخصيته هما طهرانيته من جانب، ومن جانب آخر انعدام خبرته العملية بمسائل إدارة الدولة وبناء الجيوش وعمليات الغزو، من جانب آخر، وهو الأمر الذي كان معاوية متفوقا فيه بسبب خبرته الطويلة في تقلد ولايتي مصر والشام. إلى أن انتهى الأمر باغتياله.

لقد بدأت الفتنة بقتل عثمان وانتهت باغتيال علي. الشخصية التراجيدية الثانية التي سنشير إليها هنا هي شخصية أحمد باشا القره مانلي، الأخ الكبير ليوسف باشا القره مانلي، اللذين كانا يتنازعان على السلطة في ليبيا المعروفة حينها بطرابلس.
عندما كنت أتابع مسلسل "حرب السنوات الأربع" الذي ركز، لأسباب سياسية على شخصية يوسف باشا لتناظرها، في بعض الجوانب وبالذات في الخلاف مع أمريكا، مع شخصية القذافي. كنت أقول أن الشخصية التي كانت أجدر بأن تكون مادة لعمل تراجيدي مهم، هي شخصية أحمد باشا، الذي تضافرت ضده عوامل موضوعية متعلقة بتضاربات السياسة الدولية وقتها وعوامل ذاتية متعلقة بجوانب ضعف في شخصيته.

الهوامش
1- هشام جعيط، ترجمة خليل أحمد خليل، الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، دار الطليعة، بيروت، ط 8، 2015.
وينظر أيضا، الدكتور عبد الإله بلقزيز، الفتنة والانقسامن مركز دراسات الوحدة العربية ط 3، 2015.