Atwasat

الطريق إلى روما

أحمد الفيتوري الأربعاء 03 أكتوبر 2018, 10:54 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
فهمُ الدور الايطالي منذ ثورة فبراير الليبية المنكوبة وما هوية القوى السياسية الحاكمة في أيطاليا حاليا، ضرورة لتبين ما الذي يعنيه سعي ايطاليا الحثيث لعقد مؤتمر للمسألة الليبية في روما مع نهاية العام 2018.

لكن قبل هذا وذاك أريد أن أضع، ما هو على الطاولة، على الطاولة مرة ثانية بأن المسألة الليبية التي احتكم خصمها الرئيس القذافي إلى السلاح محكومة منذها بهذا، فالخصومُ الحاليون يتمترسون خلف المليشيات التي يدّعى الخصوم أنها العائق كي يُخفون أنها سبيل قوتهم ووجودهم، ومن هذا هم حريصون عليها ويغذونها بالغالي والنفيس رغم ادعائهم أنهم رهينتها.

هذه الملاحظة التي أستبقُ بها المقالة وضعتها باعتبارها سر تواجد القوى الدولية في المسألة الليبية منذ لحظتها الجنين، والتباين بين الدور الإيطالي والفرنسي مثلا كمن في هذا عندما تدخلت فرنسا بقوتها في ليبيا، في حين ترددت القوى الحاكمة في إيطاليا حينها عن التدخل بل وعملت على الأقل بالرغبة في عرقلته.

لقد كان يمين الوسط بقيادة برلسكوني متمنعاً عن التدخل على أمل أن يحافظ ذلكم على الدور الإيطالي في ليبيا، والمكاسب التي حققها مع القذافي في أواخر أيامه. لكن الانقلاب الإيطالي الذي أحدثه الشعب الإيطالي قلب الطاولة، فلقد نجح الشعب في إعادة (شبح موسوليني) إلى السلطة بإنجاحه اليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية الأخيرة، وبالتالي دفع التردد والتمنع إلى الحسم ما تمثل في اللغة السياسية الإيطالية لحكام الساعة إلى التصعيد، بل وإلى الهجوم على الخصم اللاتيني التاريخي (فرنسا) خاصة في الشمال الأفريقي.

اليمين الإيطالي يقوي نفسه بهذا، وباستعـادة أمجاد موسوليني قافزا عن هزيمتـه المدوية في الحرب الكبرى الثانية وتداعيات ذلكم، ومن هذا فاليمين المتطرف يخوضا حربا داخلية ولكن على الشاطئ الرابع لروما: طرابلس الغرب. كما عادة اليمين دائما يهرب إلى الأمام ويخوض معاركه مستعيدا الماضي، يدعم وجوده في الداخل بالغوص مزيدا في الوحل السياسي الذي يصنعه، لأنه الميكافيلي الذي دائما غاياته تكمن في وسائله.بهذا ندرك أن القوى السياسية الحاكمة في أيطاليا تخوض حربها الداخلية وهي تذهب إلى روما الليبية في نوفمبر القادم.

لعل هذا وذاك، فما خفي كان أعظم، خلفية لا يمكن تبينها لأحداث طرابلس في أغسطس 2018 التي تجرجر ذيولها، ولعل هذا يوضح التسرع الطائش لمسئول ايطالي يتهم فرنسا بأن لها يد في معارك أغسطس الطرابلسية، خاصة بعد أن أراد ما دُعي باللواء السابع (المليشيا الغازية لطرابلس) أن يحافظ على الغموض الذي لُبس لهويته من قبل خصومه، ولهذا فالرصاصة الطائشة الإيطالية -أي اتهام فرنسا المشار إليه أعلاه- دوخت الخصم لكنها ارتدت على من أطلقها من جنح إلى السلم وبدأت تصريحاته تلين وتراوغ.
كأنما إيطاليا اليمين المتطرف، الذي من أطرافه قوى انفصاليه تدعو لفصل الشمال عن الجنوب، كأنما ايطاليا هذه حالة مفعمة بالتناقضات تتمترس في طرابلس الغرب لتحافظ على وحدتها المستحيلة.

2-
أيام ثورة فبراير الأولي دُعي لمؤتمر حول ليبيا اللحظة الراهنة في روما حتى خرجت قوائم في مدينة بنغازي لأسماء المدعوين، حينها كان ترتيبا محموما يقوم بإعداد مؤتمر في تركيا. وعليه خرجت دعاوي تخون المدعوين لروما وكنت منهم، الإخوان الليبيون رأس حربة مؤتمر تركيا ورأس أفعى التخوين لكن كعادتهم وبأساليب اليمين المتطرف يخوضون أهدافهم كأساليب، فأظهرت روما وقتها كمقر لمحفل ماسوني غايته استعادة الشاطئ الرابع إلى روما البابوية، ولقد بدأ لليمين المتطرف الليبي ورأسه الإخوان أن الطريق إلى روما جامع لكل القوى مانع لتفردهم، فنجحوا في إفشال المحاولة الأولى المترددة بنفس القوة التي يضمرون ولا يظهرون لإنجاح المحاولة التالية في الطريق إلى روما.

حقا لقد تغيرت المسميات في عصر ما بعد الحداثة لكن المضامين ترسمت متمظهرة في الشيء ونقيضه فالعمالة المرغوبة بإلحاح من قبل دول الغرب الصناعية تتحول إلى مسألة هجرة غير شرعية عصية في الواقع وعلى الفهم. ومن هذا يجيء مؤتمر روما كما حلَ لمسألة مستعصية لا يراد على الأقل حتى الآن حلها فالحل للمسألة الليبية اللا حل أو كما يقال.

فماذا يُنتظر من روما التي ترى أن الانتخابات لم يحن قطافها لكن مؤتمر روما سيجني ثمارها، وعليه فإن الإيطالي دعى أثناء لقاءات الأمم المتحدة السنوية في سبتمبر الحالي الرئيس الذي لا يسخر الآخرون منه بل يضحكون من مقاله أو كما صرح، دعى ترامب لحضور مؤتمر روما حول ليبيا في نوفمبر 2018 من قبل الدعوة مبدئيا، روما هكذا تستقوي باليميني صنوها لتوكيد المهمة المناطة بها في البحر الأزرق المتوسط وشمال أفريقيا.

الطريق إلى روما كما المرة السابقة دونه عقابيل التي تبدو متمظهرة في العاصمة الليبية كحروب صغيرة تخفت لتنهض، ما استدعى من رئيس الوفد الليبي إلى اللقاء السنوي للأمم المتحدة محمد سيالة وزير الخارجية بالمطالبة: ( أن تتحول بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من بعثة سياسية خاصة، إلى بعثة لدعم وإرساء الأمن والاستقرار والسلام في جميع أنحاء البلاد)، وفي تصريح مراوغ لغسان سلامة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حول هذا أنه فوجئ بالمطالبة الليبية على منبر الأمم المتحدة! وأن دبلوماسيين عدة استفسروا منه حول هذه المطالبة وعليه التقى السراج للاستيضاح، ثم علق قائلا:(إنهم يقدرون الدور الذي لعبناه في التوصل لوقف إطلاق النار خلال الأحداث الأخيرة في طرابلس).

تأتي هكذا مطالبة ومؤتمر دولي حول المسألة الليبية شرع في عقده في روما الداعم الرئيس لفائز السراج وحكومته في طرابلس، وهذه المطالبة بجعل بعثة الأمم المتحدة قوى فاعلة على الأرض في ليبيا وليس قوى سياسية داعمة، هي كما جني لما حدث من معارك ضارية في طرابلس أغسطس 2018م، خاصة بعد التمديد لرئيس البعثة غسان سلامة. وعليه فالعقوبات الأممية غير الفاعلة تطال أسماء جديدة كما يوكد على تمديدها لأسماء طاولتها كما رئيس مجلس النواب، المجلس ما يطالب الإجماع برأسه.

الطريق إلى روما المسكوت عنه حاليا تحفه الأماني والمخاطر لكن لليمين الإيطالي كما حصان السبق الذي يراهن عليه، حين تذهب طرابلس إلى الأمم المتحدة مطالبة بقلب هوية بعثتها، فأين روما من خارطة طريق غسان سلامة وخارطة طريق فائز السراج وخارطة ماكرون، والخرائط الأخر غير المفصح عنها كما هوية اللواء السابع: لاشيء يحدث لا أحد يجيء لازمة مسرحية الأيرلندي بيكيت (في انتظار غودو)!.