Atwasat

4/3 - العبارةُ أن العبارةَ اعتقل

محمد المهدي الفرجاني الثلاثاء 11 سبتمبر 2018, 03:07 مساء
محمد المهدي الفرجاني

غادر يوسف إبراهيم عقيلة ومحمد العبارة طرابلس إلى أثينا، وبذلك انتهت مهمتي الرسمية معهما، وأصبح بمقدورهما دخول ليبيا والخروج منها وقتما يشاءان. عاود محمد العبارة زيارة ليبيا، أثناءها اتصل بي محمد عقيلة العمامي وأخبرني أن معلومات أكيدة وصلته تفيد أن محمد العبارة موقوف لدى مكتب عبد السلام الزادمه.

كان الزادمه قد نقل عملياته إلى مبني الكشافة - بهو الضباط سابقا- بسيدي أبوعيسى. غادرت بنغازي إليه واستقبلني مدير مكتبه محمد بوشقيفه، وسريعا ما دخلت لمقابلة عبد السلام الزادمة. وجدت معه الرائد التهامي خالد، والحنوشي مدير الخطوط الجوبة الليبية. أخبرت عبدالسلام الزادمة بأن محمد العبارة موقوف لديه، وأمره يهمني لعدة أسباب. أقسم بأغلظ الأيمان بأنه لا يعرف مطلقا أن محمد العبارة موقوف لديه، وأن من أخبرني لم يقل الحقيقة، ولمَّا كان محمد أبوشقيفه مدير مكتب عبد السلام يعرف علاقتي الوثيقة بابن عمه بشير، فإن علاقتي به تأسست من هذه الزاوية، لتقوى بعد تعاون مثمر مبني على الصدق والصداقة والاحترام؛ فعلمت منه أن محمد العبارة بالفعل مسجون لديهم وفي سرية كاملة وحتى رئاسة الجهاز لم تكن تعلم شيئا عنه وعن موضوع حضوره أساسا.

محمد العبارة اعتبره عبد السلام الزادمة، في أثينا، بلغة المخابرات "الصندوق الميت"

فيما بعد عرفت أن محمد العبارة اعتبره عبد السلام الزادمة، في أثينا، بلغة المخابرات "الصندوق الميت" ويعني نقطة تودع بها المستندات وأشرطة التسجيل ثم تختفي منه بشكل منتظم حتى تصل إلى مكانها المراد له في الجماهيرية. هذه كانت أسباب سجنه.

علمت بشكل ما أن محمد العبارة وصل إلى طرابلس وسجن لدى عبد السلام الزادمه، من دون علم أحد في الجهاز، بمن فيهم أنا مع العلم يفترض أنني لا أتدخل في هذا الموضوع بأي شكل لأنه لم يعد لي صفة من بعد أن غادر أمامي من مطار طرابلس إلى أثينا ووصلها سالما رفقة يوسف إبراهيم عقيلة.

لم يكن من حقي أن أتدخل، ولكن عذري أنني كنت أعتبر أن العبارة ويوسف أصبحا صديقين ناهيك عن علاقتهما الوطيدة بصديقي محمد عقيلة العمامي، ثم تأكد لي أنهما بعيدان كل البعد عن المعارضة وأدبياتها. لم يكونا من رجال المعارضة، ولو أن يوسف ذكر لي في لحظة صفاء أن له جذورا بعثية، ولم أنتبه لذلك رغم أنني كنت يوما ما مسئولا في النشاط الاستخباراتي في العراق، ومع ذلك لم ألاحظ أبدا أدبيات البعث في خطاب يوسف عقيلة.

غادرت إدارة العمليات إلى رئاسة الجهاز، وقابلت رئيس الجهاز وطلبت منه إطلاق سراح محمد أحمد العبارة بضمانتي الشخصية!. لأنني لا أريد أن أحتك بمدير إدارة العمليات لعدة أسباب، منها أنني لم أكن مكلفا منذ مدة بمتابعة العبارة ورفيقه، وأنه من اختصاص إدارة العمليات. تفهم رئيس الجهاز الأمر، وسألني إن كان فعلا العبارة عند عبد السلام الزادمة. وأكدت له المعلومة درن أن أذكر له مصادري.

عندها اتصل بمدير إدارة العمليات وجعل المكالمة على مكبر الصوت، وسمعت الحوار، وللمرة الثانية أسمع نفي عبد السلام الزادمة أن يكون العبارة مسجونا لديه!. وأقفل الخط. عندها أدركت أن عبد السلام الزادمة لا يريد إطلاق سراح محمد العبارة. غادرت إلى قاعدة عقبة بن نافع الجوية، أو (معيتيقه) حيث يقيم شقيقي باعتباره آمرا لسلاح الطيران الجوي العربي الليبي، ولم أتحدث معه عن العبارة أو مشكلته لأنني لم أكن متعودا أن أتحدث معه عن عملي مطلقا، سواء في ليبيا أو خارجها.

ذهبت إلى مكتبي في الصباح. لأفاجأ بحضور عبد السلام الزادمة ومعه المهندس عزالدين الهنشيري، يدخلان مقر الجهاز. تقابلنا في الردهة، وبعد السلام طلبت من عبد السلام إطلاق سراح محمد العبارة على ضمانتي، فأقسم بأغلظ الأيمان بأنه لا يعرف عما أتحدث، وهنا استأذنت صديقي عزالدين الهنشيري، وسحبت عبد السلام إلى آخر الممر وقلت له: "عبد السلام أنا لست رئيس جهازك! أنت تعرفني جيدا! لقد كذبت علىّ بالأمس واليوم كذلك، وأنا أؤكد لك بأن العبارة موجود عندك في قبو إدارتك، وبأمرك! أنا لا أملك أية صلاحية معك، على الرغم من كوني أقدم منك عسكريا، ولكنني أقول لك رجلا لرجل: أريد إطلاق سراح محمد العبارة.." وهنا اقترب عزالدين الهنشيري مخاطبا عبد السلام قائلا: "المقدم محمد من الضباط القلائل الذي يحوز احترامنا جميعا، وأرجو أن يعامل من قبلك يا عبد السلام كذلك..".

أريد خروج محمد العبارة من السجن وسفره إلى أثينا وإغلاق ملفه

عندها طلب مني عبد السلام أن أزوره في مكتبه مساءا. رفضت الزيارة وطلبت منه تسوية موضوع العبارة أمام عز الدين على الرغم من أنني لا أريده أن يعرف الموضوع أصلا، ولا أنا أعرّفه من الأساس، ولكن كان علىّ تذكيره بأن جهازنا التزم أدبيا وأخلاقيا لمن جاء تائبا كما ندعي أن يحترم! أريد خروج محمد العبارة من السجن وسفره إلى أثينا وإغلاق ملفه. وهنا تساءل عزالدين: " العبارة امتاع اليونان؟" اختصرت عليه الطريق قائلا: "نعم هو!" فالتفت عزالدين نحو عبد السلام قائلا: " المقدم محمد رجل جاد وصادق وطالما طلب الإفراج عن العبارة أنا معه في مطلبه!"

التفت نحوي الزادمة وقال، أنه بإمكاني أن أستلمه من إدارة العمليات مساء هذا اليوم، وأقسم أنه لو طلب رئيس الجهاز إطلاق سراحه ما لبيت مطلقا. وعلى كل حال متى يريد العبارة السفر إلى اليونان اطلب من مدير مكتبي رسالة بهذا الشأن إلى الجوازات.
ذهبت مساء إلى إدارة العمليات واستلمت العبارة. كان في حالة مزرية، أخذته إلى بيت شقيقي حيث اغتسل وأعطيته من ملابس شقيقي، وتناولنا العشاء معا ودعوته إلى المبيت معنا، إلاّ أنه طلب منى توصيله إلى بيت عمه في الظهرة. وهذا ما قمت به.
ولما كنت مضطرا لمغادرة طرابلس إلى بنغازي، أخبرته أنني سوف آخذه اليوم التالي إلى المطار ليغادر إلى أثينا، قبل أن أغادر على طائرة الساعة الثامنة مساء إلى بنغازي. وهكذا أسدل الستار على قصة العبارة، ضحية الجهل والوشايات الكاذبة.