Atwasat

الفشل المستدام

نور الدين السيد الثلثي الخميس 06 سبتمبر 2018, 11:45 صباحا
نور الدين السيد الثلثي

ليس أمراً حاسماً في هذا الظرف الدقيق أن تكون هناك شرعية وطنية حقيقية لهذا أو ذاك، فالخطاب والمساءلة واجبان لكل من يمسك بقدرٍ من القوةِ النافذة والسلطة، تنفيذيةٍ أو تشريعيةٍ، أو ولايةٍ على المال العام، أو سلاحٍ وإن عَلَتْـه عناوين الثورة والدين والقبيلة والمدينة، ومراكمة ثمار الزقوم هي الشائع الأعم. والمخصوصون بالمساءلة، اليوم وغداً وبعد غد، هم الذين يدّعون شرعية الولاية على الناس والأرض، وفي العاصمة تحديداً، وسط الاقتتال وما ينشره من موت ودمار وذعر بين الناس، وما يُنذر به من خطرٍ داهمٍ على أمن البلاد ووجود الوطن.

تهدّد المواجهات المسلحة الزاحفة باتجاه وسط العاصمة حياةَ المواطنين وممتلكاتِهم، ومرافقَ المدينة، والسلمَ الأهلي والنسيجَ المجتمعي، إلى مدىً لا يعرفه إلا الله. المجلس الرئاسي وحكومته، البائس في منشئه وتركيبته وأدائه؛ يتظاهر بقواتٍ تحت إمرته، منحها ’الشرعية‘، واختلق لها أركاناً، وأغدق عليها المال وأسباب النفوذ؛ هو في الحقيقة أسيرٌ تحت حمايتها؛ وهي اليوم أطراف ما يجري من قتالٍ خارجٍ عن سلطته.

العبرة بالنتائج وليست بالنوايا أو التمنيات. لقد فشل المجلس الرئاسي وحكومته، بعد ما يزيد عن ثلاث سنوات، في بسط الأمن والاستقرار، وإدارة المؤسسات، وإقامة القانون، والمحافظة على المال العام. وليس في هذا القوْل ما يبرّئ المجلس والهيئات المتنازعة معه على الشرعية والسلطة والمال. كلّهم سواء، وإن بدرجاتٍ تحكمها الصلاحيات الفعلية والدعم الدولي والأموال التي بين أيديهم. جميعهم ساهم في خلق حالةٍ من ’الفشل المستدام‘ وإقامة العقبات أمام تغيير مساره.

المجلس الرئاسي، ورئيسه على الخصوص، مطالبون باستذكار مسؤولياتهم القانونية والأدبية أمام الليبيين. نعم، قدرتهم على الفعل والتأثير فيما يجري في محيط العاصمة ضئيلة، ولكن ذلك لا يمنع من استجماع قدرٍ من الشجاعة يخاطبون به الشعب خطاباً موضوعياً لا إنشائياً، شارحين حقائق الوضع، أو ما يملكونه منها، ومبيّنين الأطراف الضالعة فيما وصلت إليه البلاد، المحلية منها والدولية. عليهم واجبٌ وطنيٌّ لشرح رؤيتهم لمستقبل البلاد وما يحيط بها من مخاطر، وخطتهم للخروج منها.

وإذا كانت الحقائق أمام رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي وحكومته أكبر من أن يعترفوا بها، والرؤيةُ غائمةً أو معدومة، والخطةُ غائبةً – كما هو الحال حقيقةً - فإن ذلك يعزز القناعة الراسخة منذ زمن، بأنهم في غير مواقعهم الصحيحة، وليس للوطن في استمرار وجودهم في السلطة مصلحة.

طرابلس أمام تصاعدٍ خطيرٍ مدمّر، والوطن أمام تهديدٍ وجوديٍّ حقيقي، ولم يعد استمرار الفشل الذي نراه ممكنا. إنه التغيير أو السقوط - لا سمح الله - في أتون حربٍ تتشابك فيها قبائلُ ومليشياتٌ وعصاباتٌ ودولٌ بأذرعها المحلية والإقليمية. وسوريا واليمن خير شاهد.