Atwasat

حوادث الاختطاف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري فِي ليبَيا

شكري السنكي الخميس 06 سبتمبر 2018, 11:32 صباحا
شكري السنكي

لاشكّ أن هُناك تقديرات، ولا أقول إحصائيّات، تُشير إِلى اختطاف عدد مِن الشخصيّات التوافقيّة والمشهود لها بِالكفاءةِ والنزاهةِ والوطنيّةِ، وشخصيّات أغلبها مِن الكفاءات فِي مجال عملهم، وذوو وظائف رفيعة المستوى ومراكز اجتماعيّة مرموقة.. ومِن الشباب المحسوبين على ثورة السّابع عشر مِن فبراير الّذِين وقفوا مع الثورة وساندوها وقدّموا التضحيّات الكبيرة، وكانوا فِي مقدَّمة الصفوف. هذه الظاهرة صارت تهدد حيَاة النَّاس وأمن واستقرار الوطن، وتصاعد مؤشرات الخطف بات يهدد النسيج الاجتماعي واستقرار البلاد ويخيف عموم المواطنين على حياتهم، خصوصاً بعْد صمت الأجهزة والسّلطات الرَّسميّة وعدم جدية تحركها لإيقاف هذه الظاهرة الخطيرة.

ومِن جهة ثانيّة، يقر عدد مِن أهالي الضحايا أنهم تلقوا اتصالات عدة مِن جهات غير معلومة تطالبهم بدفع الفدية لإطلاق سراح أبنائهم، فِي حين تغط الدولة فِي سُباتها العميق، وأن قضيّة أبنائهم لم تنل قدراً مِن الاهتمام ولو مِن مسؤول واحد فِي أجهزة الدولة الرِّسميّة، وأن بعض الأسر جمعت المبالغ المالية لإنقاذ أبنائهم ولم تفرح بخروجهم حتَّى اللّحظة.

حوادث الخطف والتغييب والاعتقالات التعسفيّة تعانى مِن الإهمال الشديد والتَّامّ مِن قبل الأجهزة الرَّسميّة

وممّا لاشك فيه، أن حوادث الخطف والتغييب والاعتقالات التعسفيّة تعانى مِن الإهمال الشديد والتَّامّ مِن قبل الأجهزة الرَّسميّة، وأن الأسر الّتي لديها أبناء مُختطفون ومُغَيّبِون أو معتقلون تعسفياً، تعيش أوضاعاً صعبة جدَّاً، وأن الحزن والقلق يخيمان عليها مِن كلِّ جانبٍ.

وأن هذه الأسر يزداد قلقها على أبنائها ويتعاظم يوماً بعْد يوم، خصوصاً مع انقطاع الأخبار وعدم تجاوب الجهات الرَّسميّة مع قضيّة أبنائهم المخطوفين، كذلك الصمت المطبق والتجاهلِ التّامِّ مِن أعضاء البرلمان لهذه القضيّة الإنْسَانيّة المهمّة!!. ومِن العجيب والمستغرب والمستنكر بأشد العبارات، أن البرلمان لم يعقد – حتّى اللّحظة – جلسة واحدة لمناقشة حوادث الخطف والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي، رغم تعدد الحوادث ومرور مَا يقرب من أربع سنوات على بعض حالات الإخفاء القسري، كحالة اختطاف هيثم سُليمان العبيدي وعلي خليفة البركاوي وعصام عبدالقادر الغرياني وحسن يُوسف بوليفة!؟.

وفِي الوقت الّذِي نشيد فيه بدور عدد مِن المُنظمات الحُقًوقيّة الِلّيبيّة والمُنظمات الحُقًوقيّة الدّوليّة، وفِي مقدمتها المكتب التابع للأمم المتَّحدة الخاصّ بهذا الشأن، ومُنظمة هيومن رايتس ووتش (Human Rights Watch)، ومنظمة العفو الدّوليّة (Amnesty International)، نؤكد على ضرورة أن يلعب الرَّأي العَام الِلّيبيّ دوراً حاسماً حيال هذا الملف، وأن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدورها الفعّال حيال هذه القضيّة، والّتي يجب أن تضعها على رأس سلم أولوياتها.

ومِن بين هذه القضايا، قضيّة المُهندس صلاح مُصْطفى بوقرين البالغ مِن العمر ستة وستين عاماً، والّذِي تمَّ اختطافه مساء يوم الإثنين الموافق 27 نوفمبر 2017م بعْد أن صلى المغرب فِي مزرعته الكائنة بمنطقة «سيِّدي فرج»، وغادرها قاصداً بيته الكائن بالفويهات الشّرقيّة فِي «منطقة الحدائق» بمدينة بّنْغازي، وبالقرب مِن صيدلية زكريا.

وَمِن الأرجح أن الخاطفين قدموا إِلى مزرعة الضحيّة وقتما كان وحده واقتادوه بالقوَّة إِلى مكان مجهول، وتركوا سيارته فِي مكان آخر كتَّمْوِيه وخلطٍ للأوراق، فقد وجدت عائلة بوقرين سيارة المُهندس صلاح فِي مكانٍ بعيدٍ عَن مزرعته وعلى جانب طريق مزدحم بالنَّاس والسيارات، لا يمكن أن تكون عمليّة الخطف قد تمّت فيه أصلاً، حيث وجدت العائلة سيارته بمفتاحها متروكة على جانب ذلك الشّارع المزدحم، وبِالقرب مِن قصر «السندباد» بمنطقة بوهديمة وعليها آثار كدمات بالجهة اليسرى.

الآن، وبعْد مضي أكثر مِن تسعة أشهر على اختطافه، ما زالت أسرته لا تعرف عنه شيئاً، ولم تسمـع أيّ أخبـار مؤكدة عنه، والجهات الّتي تعهدت بِالبحثِ عنه لم تتفاعل مع القضيّة بالجديّة الواجبة، ولا تواصلت مع أسرته على النحو المطلوب، ولم يصدر عنها أيَّ شيء رسمي حتَّى اللّحظـة.

المُهندس صلاح بوقرين رجل مهذب، وكان نشطاً فِي مجالات الأعمال الاجتماعيّة التطوعيّة والخيريّة، وصاحب سمعة طيّبة وسيرة حسنة ومكانةٍ عاليةٍ عند النَّاس.. ناجحاً فِي عمله وأحد أبرز المُهندسين المعماريين فِي بّنْغازي، وعضو مجلس بلدية بّنْغازي فِي النَّصف الأوَّل مِن سبعينات القرن المنصرم، العضو السّابق لمجلس إدارة نادي الأهلي، والمُهندس الّذِي كلفه المجلس الوطنيّ الانتقالي بعْد اندلاع ثورة السّابع عشر مِن فبراير بإدارة «المرافق» فِي فترة تولّي المجلس إدارة البلاد.

وإنه لشيء غريب أن يحدث مَا حدث لشخص فِي عمر ومقام صلاح بوقرين، والأكثر غرابة أن يستمر تغييبه ولا معلومات وأخبار عنـه!. وبِالرَّغم مِن الجهود المبذولة مِن عائلته، لم تتمكن العائلة مِن معرفة هويّة خاطفيه، ولا المكان الّذِي أنزلوه فيه، ولا ظروف حبسه ووضعه العام وحالته الصحـيّة، خصوصًا أنه محتاج إِلى رعايّة خاصّة.

متى يتحرَّك نادي «الأهلي» فِي هذا الاتجاه!؟. هل سيضغط الرَّأي العام لأجل الكشف عَن مصير صلاح بوقرين

وبالإضافة إِلى إهمال الجهات الرِّسميّة ملفه وملف كافة المغيّبين قسرياً والمعتقلين تعسفياً، لم نرَ - وفِي جانب آخر- حركة ولا حراكاً مِن قبل النادي الأهلي لأجل معرفة مصير صلاح بوقرين عضو مجلس إدارة النادي السّابق. فلم نرَ - حتَّى اللّحظة - جهوداً تبذل مِن قبل «نادي الأهلي» الّذِي يُعوَّل على دوره فِي هذه القضيّة، وينتظر منه أن يلعب دوراً لأجل معرفة مصير المُهندس صلاح، ويسعى للوصول إليه وإخراجه مِن محنته، بصفته أحد أبناء الوطن البررة وأبناء نادي الأهلي الأوفياء، والّذِي قدم خدماتٍ جليلةً لناديه وخدمه بإخلاصٍ وتفانٍ لسنوات طوال، حيث كان عضواً فِي مجلس إدارته لفترة مِن الفترات، وساهم فِي تطوير بنية النادي التحتية والارتقاء بها، كذلك الحفاظ على مصالح النادي والدَّفاع عنها وتأمين مصادره الماليّة!!؟؟.

متى يتحرَّك نادي «الأهلي» فِي هذا الاتجاه!؟. هل سيضغط الرَّأي العام لأجل الكشف عَن مصير صلاح بوقرين وكافة المُختطفين والمُغَيّبِين قسرياً!؟. إِلى متى يظل الغموض يحيط بملفه وقضيته!؟. ومتى نسمع خبراً مفرحاً عنه، وتفرح زوجته وأولاده وأحفاده برجوعه، ويعيش معهم مجدَّداً فِي أمان وسلام!؟. اللّهُـمَّ كن لصلاح مُصْطفى بوقرين معيناً ونصيراً وظهيراً.. التحيّة لصلاح بوقرين وجميع المعتقلين تعسفياً والمُختطفين والمُغَيّبِين قسرياً.