Atwasat

رابطة الأدباء الليبيين المعطلة

سالم العوكلي الأحد 12 أغسطس 2018, 12:44 مساء
سالم العوكلي

في مقالته "رئيس وهمي لرابطة وهمية" المنشورة بموقع بوابة الوسط ، الأحد 29 يوليو 2018، يسرد الكاتب عمر الككلي، بحرصه المعتاد على دقة المعلومة وبموضوعيته، المحطات المهمة التي مرت بها هذه الرابطة في صراعها مع النظام السابق وجهازه المسلح من اللجان الثورية التي كانت ترى أن مفردة "مثقف" كفيلة بإخراج المسدس من الجيب الداخلي لستراتهم الخضر، وهو امتداد لصراع بدأه هذا النظام مبكرا مع المثقف الليبي الذي لم ينصع لخدمة مزاج السلطة، ومع الثقافة السابقة التي تميزت بهامش معقول من الاستقلالية وحرية التعبير التي أكد عليها الدستور الملكي السابق، وأدى هذا الصراع إلى صدام مباشر بين المثقفين ذوي الرأي المستقل وبين الآلة العمياء للجان الثورية، أدى غالبا إلى تغييب أهم المثقفين الليبيين بين القتل أو السجن أو المنفى الجغرافي أوالمنفى النفسي أو الصمت، ولم يبق منهم سوى من هادن النظام عبر النزوع إلى الكتابة الإبداعية البعيدة عن استفزاز وساوس النظام، أو من تحول بقلمه وفكره لخدمة هذا النظام، وفي جميع الأحوال كانت حركة اللجان الثورية تسعى لأن تكون البديل المهيمن على الساحة الثقافية وأن تملأ الساحة التي فرغتها، وكما ذكر الككلي في مقالته كان غضب النظام ورئيسه منصبا على الشباب الواعدين وقتها الذين تم إيداعهم السجن وتغييبهم عقدا كاملا، وهو الجيل السابق لنا، أو ما يسمى بجيل السبعينات الذي دفع الثمن باهظا، لنجد نحن الجيل اللاحق الساحة خالية من هذا الجيل الذي من المفترض أن يكون حلقة الوصل بيننا وبين جيل الستينيات الذي أستطيع أن أقول أنه أرسى لنقلة نوعية في الشعر والنثر متناغما مع ما يحدث في محيطه من نزوع حداثي تجاه خطاب فكري وإبداعي يؤسس لثقافة وجماليات مغايرة.

استطاع السجناء السابقون من الكتاب والمبدعين بعد إطلاق سراحهم أن يبثوا نوعا من الحيوية في رابطة الأدباء والكتاب الليبيين، ورغم توجس الكثيرين من الأجيال اللاحقة من التعامل معهم أو الاقتراب منهم حتى على مستوى العلاقات الشخصية، إلا أن البعض (وأنا أحدهم) شكل لي خروجهم من السجن وتفاعلي معهم نقلة مهمة في عملي الثقافي والإبداعي فيما بعد.

كانت الرابطة في السنوات السابقة تعطي العضوية لكل من هب ودب

سرد الككلي ما يذكره جيدا من وقائع مهمة في مسيرة الرابطة منذ تأسيسها ولكن ما كنت شاهدا عليه هو ما أسماه "احتلال الرابطة" العام 2004 ، وطرْد من كان في مقرها وتشميعه بالأحمر لتعاد هيكلتها حسب ما يريده أعضاء اللجان الثورية المحسوبين غصبا على الثقافة (ولا أعني المثقفين منهم فعليا).

كانت الرابطة في السنوات السابقة تعطي العضوية لكل من هب ودب، وكان يتبعها مكتب في كل شعبية (بلدية) مثلها مثل الروابط والنقابات المهنية الأخرى، وكانت الشعبيات تتنافس في تسجيل أكبر أعضاء لهذه الرابطة، ما أدى إلى الدعوة لعقد اجتماع لمؤتمر الرابطة (جمعيتها العمومية) العام 2002 بحضور الفاعلين فيها، وقدمت مذكرة لأمين شؤون النقابات والاتحادات والروابط بمؤتمر الشعب العام تطالب باعتماد لائحة خاصة برابطة الأدباء باعتبارها رابطة نوعية مختلفة عن الباقي، وباعتبار بعض الشعبيات لا يوجد بها كُتّاب ممن تنطبق عليهم شروط الحصول على العضوية، وهي الشروط نفسها التي يعتمدها اتحاد الكتاب العرب، لأن المنضوي تحت الرابطة الليبية سيكون تلقائيا عضوا باتحاد الكتاب العرب، وبعد أن حصلت الرابطة على الموافقة على لائحتها الخاصة تم تنظيمها وفق الشروط المعمول بها في كل الاتحادات العربية للحصول على العضوية حيث اقتصر الانتساب لها على مجالات الشعر والقصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي والنص المسرحي وفق إسهام حددته الشروط، كم اقتصر عدد الأعضاء على 160 عضوا، وتقلصت المكاتب التابعة لها إلى أربعة، موزعة على كامل جهات ليبيا. ومع أنه تم رفع قضية من قبل أحد منتسبي الرابطة ضد هذه التعديلات في قانونها إلا أن القضاء حكم لصالح الرابطة وتعززت إجراءاتها قانونيا، لكن هذا لم يرح أعضاء اللجان الثورية الذين تقدم بعضهم لعضوية الرابطة وفق مجالات كتابة لا تنطبق عليها الشروط ورفضت، فما كان منهم إلا أن مارسوا هوايتهم القديمة التي مارسوها على الجامعات وغيرها من المؤسسات المغضوب عليها وهو الاجتياح ومن ثم احتلال الرابطة العام 2004 ، والعمل على إعادة هيكلتها بشروط جديدة من ضمنها عدم السماح لـ "الطلاقاء" بالانتساب لها ، والمقصود بالطلقاء الخارجون من السجن من المثقفين والكتاب فما يعرف شعبيا بجماعة "أصبح الصبح" التي تطرق لها الككلي.

كنت مكلفا بمكتب الجبل الأخضر الممتد من المرج إلى مساعد، وكان عدد الأعضاء ممن يستحقون العضوية 16 كاتبا وأديبا، وكان يراجعني في درنة كاتب لنص مسرحي هو مفتاح الضبع، وقد أحلت مخطوطه إلى مكتب شؤون المكاتب والعضوية بطرابلس . وقبل أن يبث في أمره كان قد حدث احتلال مقر الرابطة من طرابلس وأعيد نظامها السابق الذي يفرض فرعا في كل شعبية، وفوجئت بمقدم الطلب الذي لم يحصل على العضوية بعد مكلفا برئاسة فرع شعبية درنة، وجاءني هذه المرة يطلب مني ختم الرابطة ومفتاح المكتب.

عين الضبع امرأة من درنة لم تكتب حرفا في حياتها أمينا مساعدا له، وأخذ يطرق الأبواب مستجديا التسجيل في الرابطة لكل من يرغب محفزا لهم بأن الرابطة ستقوم بتوزيع سيارات مثلها مثل الروابط والنقابات الأخرى، وتجاوز عدد الأعضاء 160 عضوا في شعبية درنة فقط .

في ندوة أقيمت بفندق اللؤلؤة بدرنة العام 2012 قال مفتاح الضبع ــ أمين فرع درنة لرابطة الأدباء والكتاب، الذي مازال يعتبر نفسه عضوا في أمانة الرابطة على مستوى ليبيا حرفيا في هذه الندوة: "أن هناك كُتّاب في درنة يطعنون في الذات الإلهية ولقد أخبرني الأخوة (ويقصد الأخوة في تنظيم إسلامي) رغبة تصفيتهم تقربا إلى الله، لكنني قلت لهم ترووا قليلا لعلهم يتوبون. مضطر لذكر هذه الحادثة كي أشير إلى النوعية التي تقلدت أمانة الرابطة وأمانات مكاتبها والتي يتحدث د. حواص باسمها.

كنت في العام 2004 مع الأصدقاء القائمين على جريدة الشلال المحلية بمقرها بدرنة حين دخل علينا شخص يحمل بعض الأوراق باعتبار الجريدة لها علاقة بالثقافة وأراد استشارتنا في أمر ما، وهذا الشخص كان قد صُعّد حديثا كأمين لشؤون الروابط والنقابات والاتحادات بشعبية القبة المجاورة لشعبية درنة، وقال قمت بتنظيم كل الروابط ماعدا الرابطة المسماة رابطة الأدباء والكتاب فقلد جاءتني قائمة بحوالي 400 عضو ولا أعرف ماذا أفعل فيما يخص شروط الانتساب لها. قال له أحد الحاضرين: مشي أمورك.. في درنة فعلوا نفس الشيء.

ممكن نقبل الفساد في نقابة المخابز أو المؤتمرات الفلاحية لكن إذا كان الفساد وصل لغاية الكتاب والأدباء معناها ليبيا راحت

فقال ببساطة وعفوية لن أنساها: لا يا جماعة. ممكن نقبل الفساد في نقابة المخابز أو المؤتمرات الفلاحية لكن إذا كان الفساد وصل لغاية الكتاب والأدباء معناها ليبيا راحت. كان هذا الرجل البسيط رغم الفساد المستشري في أركان ليبيا مازال يثق في الثقافة وممثليها كأمل أخير، ولكن لم نسعفه بأي حل لمشكلته فمضى ولا أعرف ماذا فعل.

هذا ما حدث لرابطة الأدباء الليبيين التي تقلدها المدعو حواص بعد أن أُقصي كل الكتاب والمبدعين الحقيقيين منها، وانتسب لها الأدعياء أو من لا يمتون للكتابة والأدب بصلة، وصار بعضهم يتسكع في العالم ببطاقة عضوية رابطة الأدباء والكتاب الليبيين وهو لم يكتب سطرا في حياته أو يقرأ كتابا، وأعرف بعض هؤلاء شخصيا.

أضم صوتي إلى صوت الكاتب عمر الككلي وأعلن: أن د. خليفة حواص يترأس رابطة وهمية لا وجود لها في الواقع، وبالتالي فهو رئيس وهمي. لا يوجد، منذ 2004 وحتى الآن، أي جسم نقابي شرعي يضم الأدباء والكتاب الليبيين. وعليه فإن تعامل أي كاتب وأية جهة، رسمية أو مدنية، مع هذه الرابطة الوهمية، ومع د. حواص بصفته المعلنة، يعد تعاملا باطلا ومعاديا للحركة الأدبية الوطنية الليبية.