Atwasat

8- منصور رشيد الكيخيا شيخ قضايا الاختفاء القسري: (المعارضة تحت مجهر القذافي)

محمد المهدي الفرجاني الأربعاء 18 يوليو 2018, 12:12 مساء
محمد المهدي الفرجاني

المعارضة، بجميع فصائلها، كانت تعتقد أنها بعيدة عن رصد القذافي لها. كانت تحركاتها بالكامل تحت مجهر النظام، الذي كان يعرف عن الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وعن أمينها العام سواء أثناء تواجده في القاهرة، أو في بغداد، أو في الخرطوم أو مدريد أو في أمريكا. وكان القذافي لا يطيق إبراهيم عبد العزيز صهد الأوجلي، وهو الأول على الدفعة الخامسة، الذي تخرج في الكلية العسكرية الملكية. وكان يعرف كل شيء عن حركة أحمد احواس، المسئول العسكري في الجبهة، والذي تتبعه، ثم قتله داخل الحدود الليبية التونسية. وكان يعرف كل شيء عن ابريك سويسي المسئول المالي في الجبهة، ومندوبها لدى المخابرات المركزية الأميركية.

كان نظام القذافي يعرف كل شيء عن الجماعة الإسلامية - الأخوان المسلمين- سواء في تواجدهم في لندن، أو في أمريكا، يعرف طرق تمويلهم، وأسلوب إعلامهم

كان نظام القذافي يعرف كل شيء عن الجماعة الإسلامية - الأخوان المسلمين- سواء في تواجدهم في لندن، أو في أمريكا، يعرف طرق تمويلهم، وأسلوب إعلامهم، ولقد أزعجه كثيرا قيام منصور الكيخيا بطرحهم كفصيل معارض لنظامه، ويعرف أيضا أن جبهة التحالف الوطني المزمع الاتفاق عليها قد طرحت، تأسيسا على رأي من منصورالكيخيا، شمل الجماعة الإسلامية. والنظام يعي جيدا أن أية محاولة لتوحيد المعارضة لا تشمل الجماعة الإسلامية تكون غير متكاملة. كان نظام القذافي يعرف كل شيء عن منظمة تحرير ليبيا التي شكّلها المرحوم عبد الحميد مختار البكوش، رئيس الوزراء الأسبق، ويعرف أيضا أنه فوض الدكتور محمد يوسف المقريف أن يتحدث باسمه، فيما يتعلق بكل ما يخصه شخصيا، وما يخص منظمة تحرير ليبيا، ونواياها في الانصهار مع جبهة التحرير الوطني. القذافي كان يعرف كل شيء عن جبهة التحالف الوطني التي تسعي إلى:

- إسقاط نظامه القمعي الاستبدادي في ليبيا، مثلما أسماه ميثاق التحالف في القاهرة في عام 1987.
- وقد حصل القذافي على مسودة ميثاقها بمجرد أن فرغ من إعداده منصور الكيخيا وإبراهيم فتحي عميش وعبد الله شرف الدين وهم أعضاء اللجنة التي كلفت بإعداد مشروع الميثاق في القاهرة.
- الاتفاق على إقامة نظام جديد في ليبيا بعد القذافي يكون ديمقراطيا دستوريا تتفق عليه جميع الفصائل المشكلّة لجبهتي التحالف الوطني!

القذافي كان يعرف تماما من كان وراء الفكرة من الأساس إلى أن تم إخراج المشروع إلى السطح في عام 1986 وكان السباقون في ذلك ثلاثة تنظيمات هي: حركة الكفاح الوطني منصور الكيخيا وعاشور بن خيال، والجبهة الوطنية الليبية، والجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية، هؤلاء هم النواة التأسيسية لتوحيد المعارضة.

نظام القذافي كان يعرف كل شيء عن الاتحاد الدستوري وعن مؤسسة محمد بن غلبون سواء في بريطانيا، أو نشاطه الإعلامي، يعرف كل شيء عن عبدو، والد مؤسس هذه المؤسسة الإعلامية وكيف أنه توفي في الإسكندرية، ويعرف علاقة المنصف النجار بعائلة بن غلبون وأسباب مغادرته ليبيا، وطبيعة مهمته في الكويت. القذافي كان يقرأ المعارضة وكأنها كتاب مفتوح. لم تكن المعارضة مخترقة فحسب، بل المعارضون أنفسهم كانوا يتسابقون في إرضائه، فهل كانت أسباب ذلك؛ خوفا أو طمعا؟ أم ترك الباب الخلفي مواربا للرجوع؟.
باختصار شديد؛ كان القذافي يعرف، وكذلك نظامه كل شيء عن الفصائل المعارضة بمسمياتها كلها، بما في ذلك مشروع الجبهة في تشاد. وعن الحزب الديمقراطي الليبي ومحمود المغربي.

كان عبد السلام الزادمه يمرح في أروقة فصائل المعارضة، يعرف الهمس الدائر بينهم، كانت مراقبته لهم لصيقة ودقيقة

كانت بروفات مجلة الوطن تصله قبل أن يصدر العدد، وكذلك مجلة فاضل المسعودي المسماة (الميدان)! لقد كان عبد السلام الزادمه يمرح في أروقة فصائل المعارضة، يعرف الهمس الدائر بينهم، كانت مراقبته لهم لصيقة ودقيقة، لقد وصلته دموع غيث سيف النصر التي سفحها في مؤتمر المعارضة بولاية (دلاس) قبل أن يلقي كلمته في المؤتمر، ويعرف اجتماعات محمد المقريف والمخابرات المركزية في جنيف مع ضباط حركة ورفلة الانقلابية.

كان القذافي يعرف جيدا أن المعارضة قبل الاتفاق على التحالف تمر بظروف صعبة وقاسية بسبب عدم الاتفاق على توحيدها. كان يعرف ظروفها السياسية الاجتماعية، ويدرك الانعكاسات الداخلية والعربية والإقليمية والدولية كلها؛ كان يقرأها بشكل استطاع من خلاله التعامل معها، كما أدرك أن تجربتها السياسية في غاية التواضع. لا تجربة حقيقية لديها، ولا خبرة، ولا رؤية عميقة للمستقبل، والأهم كان يرصد عدم الثقة بين الفصائل. كان يعرف أن بعضها يتجنب الدخول في حوارات موضوعية حرة لضحالة ثقافتهم وعدم قدرتهم على الرؤية الصحيحة للأحداث وقراءتها بشكل متخصص له القدرة على التحليل والتقييم وصولا للخروج بنتائج حقيقية للواقع السياسي والاقتصادي.

القذافي كان يعرف أنه اربك المشهد لدى المعارضة بمطاردتهم مما جعلهم يلجؤون للأجنبي لتأمين أنفسهم وحمايتهم من الاغتيال، والأهم ضمان تدفق السيولة التي تمكنهم من العيش! كان يعرف أن الأشخاص المؤثرين في المعارضة لا يتجاوزون الخمسين، أما الباقون فهم تبع فقط ولا يُعوّل عليهم، وعلى الرغم من ذلك اتبع استراتيجية لفك أوصال المعارضة من التبع، حيث أعلن العفو عن كل من يريد أن يرجع إلى أرض الوطن، وتتكفل الجماهيرية بتغطية جميع ديونه ومساعدته على إقامة مريحة في أرض الوطن من عمل ومسكن والبداية الجديدة. وتأسيسا على ذلك وصل ليبيا الكثيرون ممن كانوا معارضين، وتحقق هدف إفراغ المعارضة من قوتها البشرية وكوادرها الصغيرة، ولم تدرك المعارضة هدف القذافي إلاّ بعد أن وجدت نفسها تواجه نزوحا ممن كانت تعتمد عليهم، وأصبحت تعاني من فراغ في كادرها البشري. القذافي كان يعرف المعارضة جيدا، وتعامل معها على أساس معرفته العميقة لها.

القذافي كان يعرف أنه اربك المشهد لدى المعارضة بمطاردتهم مما جعلهم يلجؤون للأجنبي لتأمين أنفسهم وحمايتهم من الاغتيال

هذا موجز بسيط من إجمالي نشاط منصور الكيخيا، المعارض لنظام القذافي، وهو على نحو ما يوضح أن رجل بهذه القدرة، وهذا الاجتهاد، وبهذه الرؤية الخطيرة لا يمكن لنظام القذافي أن يتجاوزه، وأن ينهيه إما بالاختطاف أو الاغتيال؛ لأنه كان صوتا ضد النظام يتعين أن يصمت إلى الأبد، فليس ثمة خطر على نظام القذافي أكثر من توحيد جهود المعارضة ضده؛ وفوق ذلك كله ما له من علاقات دولية مؤثرة، لأن هناك في العالم الغربي والعربي من يستمع إليه ويحترم رأيه، وله في دوائر القرار حضور واحترام، هناك فعلا من كان يستمع إليه ويقدر جهوده من أجل التغيير السياسي في بلاده. منصور كان باختصار شديد رجل دولة من طراز رفيع قلة كانوا بحجمه وكفاءته.