Atwasat

6- منصور رشيد الكيخيا شيخ قضايا الاختفاء القسري (الخطف والمتهم بتنفيذه)

محمد المهدي الفرجاني الخميس 05 يوليو 2018, 10:49 صباحا
محمد المهدي الفرجاني

وصل منصور الكيخيا إلى مطار القاهرة يوم 29 نوفمبر1993 قادما من فرنسا بجواز سفر جزائري، وكان في استقباله إبراهيم فتحي عميش، وهو من أعضاء جبهة التحالف وأحد تلاميذ منصور الكيخيا ومحل ثقته ومقيم بالإسكندرية، وكان معه في استقبال منصور عمر جهان الفورتية، ونجيب علي بشر، وهما معارضان ليبيان مقيمان في القاهرة. توجها جميعا في سيارة واحدة إلى فندق السفير بميدان المساحة بالدقي، حيث تقرر أن يقيم منصور، وكذلك حيث ينعقد مؤتمر المنظمة العربية لحقوق الإنسان.

كنت أحب أن يكون حضور منصور للمؤتمر باعتباره يمثل حقوق السجناء السياسيين الليبيين في سجون القذافي، ولكنه لم يكن كذلك، فلقد كان حضوره للمؤتمر باعتباره عضوا مؤسسا من ضمن الثمانية عشر عضوا الذين يمثلون الوطن العربي كله. وهنا أريد أن أقف قليلا! وأتساءل: هل كان القذافي محقا بالزج بمن كانوا حينها في السجون والمعتقلات؟ ولقد استعرضت بروية أسماء وانتماءات السجناء واكتشفت أنهم لم يكونوا جميعا ذوي انتماءات حزبية سواء كانت محلية أم قومية.

هل كان القذافي محقا بالزج بمن كانوا حينها في السجون والمعتقلات؟

كان هناك سجناء من حزب البعث، وماركسيون، وآخرون من القوميين العرب، وهم من كانوا يعرفون بـ 106 وهو عدد أعضاء الحركة التي تم الحكم عليهم سنة 1967 في زمن النظام الملكي، وكان على رأسهم مصطفى العالم وعمر دبوب. وكان بالسجن، أيضا، جماعة الإخوان المسلمين، وعدد من حزب التحرير الإسلامي، أما التيارات المتطرفة الأخرى لم تكن معروفة إلاّ في نطاق ضيق منها: التكفير والهجرة، والدعوة والتبليغ، وجند الله - حزب سعيد حوّاء – وجميعهم لم يكونوا بالقوة المؤثرة على الإطلاق.

كان الأمر يبدو وكأن القذافي في سباق مع الزمن لوضع حد لهذه الأنشطة السياسية، التي تخالف معتقده السياسي والأيدلوجي. فمنع القذافي لظهور التطرف في ليبيا كان سببا في استقرار البلاد في عهده، وقد أحس الليبيون بوطأة التطرف الديني والانفلات الأمني، وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في وقت لاحق. ولقد وصلت فتاوى مشايخ التطرف حدا لم يكن مسبوقا في حياة الليبيين. كانت هذه الفتاوى تكفر المجتمع بأكمله، وهذا يعني أن المجتمع الكافر شرعا مرتدا، وبالتالي يكون حكمه حسب الشريعة الإسلامية إقامة الحد عليه وقتله؛ وهنا السؤال: من هو المفتي؟ ومن خوله؟ ومن فوضه؟ بل كيف يجوز قتل المسلم بيد المسلم بدون ذنب؟

في أول أيام مؤتمر المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وقعت حادثة أربكت وقائع المؤتمر والمؤتمرين فقد أعلن السيد منصور لأمانة المؤتمر أن ملفه الخاص بحقوق الإنسان الليبي قد اختفى تماما من حجرته على الرغم من إجراءات الفندق الأمنية، ناهيك عن الوضع الأمني المكثف بالفندق، المتمثل في جهاز أمن الدولة المصري الذي يرأس إدارته اللواء حبيب العادلي؛ إذ كان مكلفا بحماية المؤتمر والمؤتمرين. كيف يختفى الملف من حجرة العضو منصور الكيخيا؟ ومن المستفيد من اختفاء الملف وسط هذا الأمن المصري المدرب والمتمرس؟ إن بوصلة الإجابة على هذا السؤال تشير إلى أن النظام الليبي هو الوحيد المستفيد من ذلك، إن لم يكن بإخفاء الملف نهائيا، فعلى الأقل بتصويره، ولتذهب احتجاجات السيد منصور إلى الجحيم. من يستطيع أن يثبت ذلك ويدلل عليه، بالتأكيد كاميرات المراقبة في ممرات الفندق رصدت من دخل غرفة منصور في غيابه، ولكن لا أحد لجأ إلى ذلك الإجراء، خصوصا من بعد أن رجع الملف بقدرة قادر إلى مكانه بغرفة منصور من بعد ساعات من إعلان اختفائه. وانتهت الأزمة التي أربكت المؤتمر، ولكن الجميع أصبحوا مقتنعين أن الملف تم تصوير محتوياته!

كان الأمر يبدو وكأن القذافي في سباق مع الزمن لوضع حد لهذه الأنشطة السياسية، التي تخالف معتقده السياسي والأيدلوجي

كان يفترض أن تلفت هذه الحادثة نظر منصور وتنبهه بالخطر المحيط به. إن اختفاء الملف، وبالتأكيد تصويره دليل لا يقبل الشك على أن أصابع المخابرات الليبية تعبث بمن تريد وسط ذلك الحضور الأمني المكثف، وأن عيونهم كعدسات المراقبة المزروعة في أرجاء الفندق.

الأمن المصري، المتواجد بالفندق لم يتخذ أية إجراءات توضح أين كان الملف؟ وما سر اختفائه؟ وكالعادة تجاوز منصور بطبيعته المعهودة أهمية هذا الموضوع، ولم يتخذ أية إجراءات لتعزيز أمنه الشخصي وأمن وثائقه؟.
لقد كان جهاز الأمن الخارجي الليبي متواجدا بقوة في بهو فندق السفير، ولا نحتاج إلى تدليل لمعرفة سبب هذا التواجد بالقاهرة! لقد علمت في وقت لاحق، أنه تم اختطاف منصور من القاهرة، من العميد محمد سالم نعامة، وهو بالمناسبة صديقي ودفعتي، أثناء وجبة عشاء جمعتنا في طرابلس، أنه كان في القاهرة ومعه طقم حراسة متكامل منتظرين مهمة لم تحدد لهم حينها إلاّ بعد أن دخل البيت الآمن، الذي كان به إبراهيم البشاري، السفير الليبي بالقاهرة، ولعله من المفيد أن نعرف أنه كان مدير مكتب البشاري عندما ترأس جهاز الأمن الخارجي. ولم يكن أحمد قداف الدم وقتها سفيرا لليبيا في القاهرة مثلما تكررت الافتراءات من بعض وسائل الإعلام.

منصور والأمن المصري، والمنظمة لم يستطيعوا تأمين منصور حيث تغيرت حراسته الشخصية من جهاز مباحث أمن الدولة إلى جهاز المخابرات العامة، التي أصبحت هي المسئولة عن تأمينه الشخصي. ولم يلاحظ لا منصور، ولا زواره وهم متواجدون بالفندق العدد الهائل من ضيوف الفندق الذين يتحدثون باللهجة الليبية الطرابلسية. لقد كانوا طوال الوقت بالبهو وبالمطاعم والصالات! لقد كان تواجد الأمن الليبي مكثفا بفندق السفير ولكن منصور لم ينتبه إلى أنه مرصود، ولم يخطر بباله أن هناك مخططا لاختطافه.

لقد تم اتخاذ القرار بذلك في طرابلس، وتم تجهيز جواز سفر جديد، من إدارة الجوازات بطرابلس بصورته، ولكن باسم غير اسمه، ووصل الجواز مع الفريق المرافق إلى القاهرة، وثلاث سيارات مراسم قدمت من بنغازي. وكان إبراهيم محمد البشاري المدير السابق لجهاز الأمن الخارجي، والسفير الليبي وقتها في القاهرة، وكان متواجدا في البيت الآمن. ولم ينتبه أحد لسبب وجوده حينها في ذلك البيت! وفي من ينتظر؟. وكان منصور الكيخيا بفندق السفير ينتظر ضيفا قادما من ليبيا للقائه. ولم يتحدث مع أحد من أصدقائه الذين اعتذر منهم للقاء الضيف، ولم يذكر لهم اسمه، بل ولم يعرفوا إن كان ممن يبعثهم القذافي له، أم أنه أحد أقاربه أو معارفه. كل ذلك حدث في ليلة اختطافه.

ولكي يغطى الموضوع يعلن النظام أنه أقنع هؤلاء بالتخلي عن المعارضة المشبوهة والرجوع إلى أرض الوطن

هل كان هذا الضيف الذي ينتظره منصور رفيقه السابق في المعارضة: «ي ن» نعم لقد تردد هذا الاسم كثيرا، الذي ارتبط بعلاقة مع عبد الله السنوسي، وإبراهيم البشاري، والذي يعد أحد العناصر، التي اخترق بها القذافي المعارضة في مصر في ذلك الوقت. لقد تواجد «ي ن» في الفندق الكبير بطرابلس فترة وكانت إقامته على حساب الدولة، وليس هذا فقط فلقد أجر له الفندق محلين تجاريين، وفرضه عبد الله السنوسي على شركة الأسواق وقامت الشركة بفتح اعتمادات مستندية لشركات قدمها للشركة واستلم عمولاته منها. ولقد تردد كثيرا أنه كان بالإضافة لعمالته لنظام القذافي عميلا لجهاز أمن الدولة المصري وعينهم على المعارضة الليبية بالقاهرة.

لقد استدعي إلى النيابة العامة المصرية لسماع أقواله في واقعة اختفاء منصور، ولكنه غادر القاهرة إلى تونس ومنها إلى طرابلس، باعتباره آخر شخص جلس مع منصور بفندق السفير، فلقد ترك عمر جهان منصور ينتظر ضيفه القادم من ليبيا وذهب إلى بيته. لم يكن الضيف سوى«ي ن» وهو لم يكن ضيفا إنما وسيطا فقط باعتباره محل ثقة عند منصور، ولا أعرف إن كان منصور يعرف أن «ي ن» عاد إلى ليبيا تحت مسمى ما يعرف بـ(التائبين)، وهي التسمية التي أطلقها النظام على كل الأشخاص الذين التحقوا بالمعارضة، وكانوا على علاقة بنظام القذافي كعملاء أو مخبرين، أو أن ظروفهم أرغمتهم على العودة، أو يكونوا قد اكتشفوا أمورا لا يعرفها أحد سواهم.

ولكي يغطى الموضوع يعلن النظام أنه أقنع هؤلاء بالتخلي عن المعارضة المشبوهة والرجوع إلى أرض الوطن، بعد أن يقوم النظام بتغطية جميع الديون التي عليهم طيلة تواجد-هم بالخارج، ومنحهم بيوتا ويسهل لهم سبل العيش في ليبيا. ولقد رجع وفقا لذلك بعض الفنانين وبعض المعارضين، وكمثال فقط على ذلك، صديقي عبد السلام بالتمر. في الحلقة القادمة سنتناول (التصفيات الجسدية).