Atwasat

الاستبدادُ العابرُ للصندوق!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 03 يوليو 2018, 10:19 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
لم يتوقع أحد نجاح ترامب، كما لا أحد يشكك أن هتلر نجح في انتخابات بالمانيا أوائل القرن الماضي عقب حرب كبرى وأزمة اقتصادية طاحنة، وقد راهن بوتين، كما راهن أردوغان على صندوق الاقتراع ونجح، وجاء الصندوق أيضا باليمين المتطرف في شرق أوروبا وبأحفاد موسوليني في إيطاليا الساعة، وقبل جاء بالتيار الديني في جزائر تسعينات القرن الماضي وبعدها في مصر وتونس.

وتبين هذه الوقائع أن صندوق الاقتراع قنطرة يستخدمها القوي للوصول إلى السلطة، وأن من يستخدم هذه القنطرة ليس بالضرورة أن يكون ديمقراطيا، فلأسف أن بنية الديمقراطية الأساس صندوق اقتراع من يتمكن من ملئه بأصوات أكثر لصالحه تكون جائزته تبوأ كرسي السلطة، عليه فإن الديمقراطية تأتي إلى السلطة بمن يحصل على صوت الشعب ديمقراطيا كان أو مستبدا.

صندوق الاقتراع قنطرة يستخدمها القوي للوصول إلى السلطة، وأن من يستخدم هذه القنطرة ليس بالضرورة أن يكون ديمقراطيا

صندوق الاقتراع جسر السبيل إلى السلطة لقوى أيديولوجية لا ديمقراطية بل وحتى فاشية تتناقض أطروحتها والديمقراطية في الموضوع، وفي اللحظة الاستثنائية الراهنة هذه القوى استبدادية في الأساس لكن الاستبداد الذي بات يتكيف ومعطيات عالمية جديدة:
أ - فرضتها العولمة التي تقريبا ألغت مفهوم السيادة الوطنية، وكرست في المقابل مفهوم الهوية الذي يشبه العصبية.
ب- فرضتها التقنية التي ألغت الحدود، وجلبت الأسوار والقلاع في عصر الانترنت.
ج- فرضها ثقب الأوزون والأزمات الاقتصادية المتفاقمة، ما أعاد الإنسان إلى عصور الهجرات الكبرى بين القارات.
د- فرضها سقوط السرديات الكبرى كأطروحة صراع الرأسمالية والشيوعية، وهيمنة أيدلوجيا ما بعد الحداثة التي توكد مفهوم موت الإنسان.
وهكذا لبس الاستبداد لبوس الديمقراطية، فاليمين المتطرف ديني ولا ديني وصل السلطة على مركب ديمقراطي هو الصندوق الغارق في يم الإشكالات المتجددة والمتفاقمة.

2-
أوروبا الديمقراطية يكتسحها مد اليمين المتطرف حتى أن ميركل على كف عفريت روح هتلر، أما الصين وروسيا فهما كدولتين كبريين يديرهما استبداد عصري، ساهمت الشيوعية في رسوخه عندما بعد سبعين سنة من النضال وكدت أن الحل النهائي الرأسمالية!، النموذج الغربي الروسي والصيني الشرقي الناجح اقتصاديا ظهرا كما تجديد لما وسمته الماركسية بالاستبداد الشرقي، هذا النموذج على الطاولة كسبيل للإنقاذ من الغرق في عاصفة الليبرالية المتوحشة.
الأزمات الكبرى العالمية تنضح في أوروبا الغربية بالنجاح اليميني المتطرف كما في أمريكا، لكن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تكرس في حروب أهلية وبهيمنة دينية إرهابية وبالهجرة البشرية المستحدثة، وفي هذا الحال تجيء صناديق الاقتراع بأردوغان كما مستبد عادل: المفهوم القديم زمن السرديات الكبرى كالقومية. لكن هذا المستبد لا تجيء به الدبابات ولا البيان الأول، إن هذا المستبد ورق السلوفان الذي يشف ديمقراطية المستبد الذي لا يكشر عن أنيابه بل يتخذ من شراع الاقتصاد المزدهر شرعية تشريعاته اللا دستورية، فالشعب بحاجة لإشباع البطن وليس لملء رأسه بترهات وتخرصات المثقفين، وهذا ما يريده من منحوه أصواتهم ومن سيمنحونه في الانتخابات القادمة، وعل ما يعلل سلوكهم هذا أن العسف والعنف ما يمارس أردوغان أو بوتين مثلا لا يمسهم.

أوروبا الديمقراطية يكتسحها مد اليمين المتطرف حتى أن ميركل على كف عفريت روح هتلر

3-
استبداد ما بعد صدام في العراق ركب مركب صندوق الاقتراع، وأدخل البلاد في حروب أهلية لا تنطفئ حتى تشتعل، ما تَأتى الآن عنه الفراغ السياسي الذي يحدث لأول مرة بعد إسقاط صدام وبعد انتخابات مثيرة، صندوق الاقتراع الذي هو الحل بات المشكل في نفس اللحظة الاستثنائية هذه.

بهذا الاسترسال في تقديم الوقائع نقوم ضمن المنهج الوصفي بوضع الحال على طاولة التحليل، وكشف الترابط الدولي في عالم مع الموبايل مثلا أمسى غرفة واحدة وليس قرية فحسب، وفي هذه الغرفة يبدو أن المشترك عالي التأثير قبل وبعد المختلف.
حتى أن اجتماع ترامب مع كيم أنتج قبولا من طرفين بطرفي المعادلة: القبول بالمستبد كيم وقبول كيم بقلع أسنانه النووية، أما اجتماع ترمب المرتقب مع بوتين فهو أيضا مقدمة لنتيجة مماثلة فيما يخص سوريا: القبول بالأسد مع القبول بالدور الأمريكي في سوريا ما بعد التدمير.

الاستبداد المقبول به دوليا تحصيل حاصل فهو ليس ذات الاستبداد المرفوض أنه كما لو كان (استبدادا ديمقراطيا) لم تعرفه البشرية قبل

لكن الاستبداد المقبول به دوليا تحصيل حاصل فهو ليس ذات الاستبداد المرفوض أنه كما لو كان (استبدادا ديمقراطيا) لم تعرفه البشرية قبل، كما لم تعرف الهجرية الحالية، ولم تعرف الكثير من تفاصيل عالم جديد لم يتحقق ولكن ما ينبئ به ليس العالم الذي نعرف ولا حتى ما نتوقع.

وأصدق القارئ القول أن فكرة المقالة جاءتني حال متابعتي لدورة روسيا الحالية لكأس العالم 2018م، وشكوى المتفرجين الذين أشاركهم المشاهدة من أن كأس العالم لم يعد كأس عالم، فهل حقا ذلكم أم أن العالم لم يعد العالم ما بعد الربيع العربي ما يتم تناسيه قسرا.