Atwasat

شيخ الاختفاء القسري منصور رشيد الكيخيا: (3)

محمد المهدي الفرجاني الثلاثاء 12 يونيو 2018, 12:09 مساء
محمد المهدي الفرجاني

ولقد تمحور سؤالي الثالث، الذي قبله السيد منصور رشيد الكيخيا برحابة صدر، حول عدد من نقاط استخباراتية عنه وعن الجهاز نفسه، بل وعني شخصياً، فكانت ما خلاصته أن من يمتهن معارضة نظام بلاده، بغض النظر عن الكيفية، يحتاج إلى من يموله ويحميه في الخارج. وأكدت له أننا جهاز مخابرات ليس لنا من شأن، مثلما سبق وأن قلت، مع صراعكم السياسي. نحن نرصد، ونتابع، ونحمي، لأننا نرى أن حمايتكم واجبةٌ علينا كجهاز لأننا نرى أنكم مواطنون ليبيون وحمايتكم من أي اختراق أمنى من قبل أي جهاز مخابرات أجنبي واجب وطني له الأسبقية. نحن لسنا ضدكم، بل قد نكون أكثر وطنية منكم.

واجبنا في النهاية وباختصار شديد هو حماية الوطن والمواطن. نحن لسنا بالجهلة، أو لسنا متعلمين. دعني أعطيك لمحة عن هوية ضباط الجهاز، فدفعتي مثالاً، مكونة من 20 ضابطاً كلهم جامعيون؛ دخلنا الخدمة من العام 1968 أي منذ زمن النظام الملكي. غادرنا الجامعات لدراسة أعمال المخابرات ومقاومة التجسس في بريطانيا. كنا ضيوفاً على جهازي ( MI6 ) و (MI5). كان هناك ضباط آخرون في مدرسة للعملاء السريين في منطقة (نايتس بيريدج) في لندن، ثم التحقنا بعد عام 1969 عند وصول القذافي إلى السلطة بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع للمخابرات العامة المصرية؛ دفعتي كانت تشكل النواة الحقيقية الأولى لجهاز المخابرات العامة الليبية ثم عين الرائد عبدالمنعم الهوني ليرأس الجهاز واستمر يديره لمدة 5 سنوات كاملة، ولقد وضعه في الطريق الصحيح ليحقق واجبه الوطني مجنبه التدخل في الصراع السياسي، والتطاحن بين العسكريين من أجل السلطة، واستحدث إدارة المعلومات، التي أصبحت العمود الفقري للجهاز، والتي أسست مكاتب ومحطات لجهاز المخابرات العامة في أوروبا والوطن العربي، وانطلق الضباط في عملهم الخارجي تحت سواتر ومسميات مختلفة، همها حماية الوطن والمواطن، على الرغم من الصراع الذي دار في وقت لاحق بين القذافي ورجال نظامه قبل تأسيسه حركة اللجان الشعبية والثورية وسلطة الشعب.

من يمتهن معارضة نظام بلاده، بغض النظر عن الكيفية، يحتاج إلى من يموله ويحميه في الخارج

كانت حقبة السبعينات مرحلة الصراع المر في ليبيا من انقلابات عسكرية متصلة، ومن حركات سياسية لبقاء القوميين العرب وحزب البعث، غير أن الأخطر والأهم كانت رؤية القذافي للقطاع الطلابي، الذي يعد مستقبل ليبيا الحقيقي، وابتداعه حركة (7 أبريل) ليسيطر على الشارع الطلابي؛ ولكنه أطلق جهلة من أعوانه ليسيطروا على الجامعة منهم الطيب الصافي، وأحمد إبراهيم، وعلى رحاب، وهدى بن عامر، وعمار لطيف، وعزالدين الهنشيري، وسعيد راشد، التهامي خالد، وإسماعيل الكرامي، وعبدالسلام الزادمة. ولعلهم كانوا أبرز قادة الحركة الطلابية في جامعة قاريونس ببنغازي، وجامعة الفاتح في طرابلس، ولقد تولى حينها عبدالسلام جلود قيادة الحركة بنفسه.

أما الصراع بين القذافي والتيارات الدينية فتمثل حينها في حزب التحرير الإسلامي، الذي قرر القذافي إنهاءه بالكامل، ومن أجل ذلك كلف لهذه المهمة الطيب الصافي، أما الإخوان المسلمون لم يكن تواجدهم بشكل يثير أي قلق، وأياً كانت الدوافع فلقد زج القذافي بهم جميعاً في السجن، فيما عرف بالثورة الثقافية والإدارية الشعبية سنة 1973 ثم في حركة أبريل 1976. كان الجهاز وقتها يراقب ويرصد ويسجل دون أن يتدخل، أو يكون طرفاً في الصراع بين النظام ومعارضيه.

عند هذه النقطة تدخل صادق النيهوم للمرة الثالثة سائلاً منصور: «هل وصلتك الطلقة الثالثة؟» وهنا ابتسم منصور بمرارة، ولكنه لم يعقب، فواصلت حديثي للسيد منصور موضحاً:
إن المعارضة كتاب مفتوح أمام نظام القذافي. وأنا على يقين أن الكثير من المعارضين، أو المحسوبين على المعارضة، كانوا على اتصال يومي بنظامه، وتأكد أن القذافي يعرف الكثير من الأحداث قبل أن تصل قادة المعارضة سواء في جبهة الإنقاذ أو الخلاص الوطني، أو الديمقراطي أو غيرها من الفصائل الهشة لهذه المعارضة.

كان القذافي ونظامه على اطلاع دائم، وكان عبدالسلام الزادمة هو المكلف بمتابعة المعارضة في الخارج، في أمريكا أو أوروبا أو الوطن العربي، ومن أجل ذلك استحدثت إدارة جديدة هي إدارة العمليات ومكافحة الإرهاب، وأسندت إدارتها إليه، وكلف أيضاً بتنفيذ عمليات الاغتيالات التي طالت عدة أشخاص غير مهمين من المعارضة، عدا المرحوم محمد مصطفى رمضان ومحمود نافع.

الصراع بين القذافي والتيارات الدينية تمثل حينها في حزب التحرير الإسلامي، الذي قرر القذافي إنهاءه بالكامل

وهنا يبرز سؤال مهم: من أين أتت المعلومات لعبدالسلام الزادمة؟.
أقول لك: إنها تأتي مباشرة من المعارضين أنفسهم؛ كان بعضهم يتلقى وعوداً بالحماية وعدم الاغتيال، والبعض الآخر بمستقبل جيد في ليبيا عند عودته، ناهيك عن صفقات مع آخرين وشراء ذممهم. المعارضة يا سيد منصور هي المصدر الرئيس للمعلومات التي ترد طوال الليل والنهار إلى عبدالسلام الزادمة.

هل تستطيع يا سيد منصور أن تخبرني عن سبب واحد فقط كان وراء تشرذم المعارضة الليبية في الخارج إلى عدة فصائل متناحرة لا تثق في بعضها البعض؟ لماذا لا تستطيع أن تتوحد من أجل الوطن لتقوى وتنمو ويتحدد لها الشكل والمضمون؟.
نعم؛ كنا نراقب ذلك سواء في أمريكا، أو في بريطانيا، أو في مصر، وفي العراق حيث كان نظام صدام حسين سخياً جداً مع ضيوفه الليبيين في العراق. لقد كان السيد محمد سكر الحاسي من يقدم المساعدات المالية لكل المعارضين دون استثناء أو حتى للمنشقين أمثال صالح السنوسي عبدالسيد. لقد كان حزب البعث العراقي يقدم بانتظام منحاً مالية إلى المعارضين الليبيين المتواجدين بالخارج، وكنا نعرف ذلك ونلتزم الصمت.

السعودية أيضاً، كانت هي الأخرى تقدم مساعدات مالية للمعارضة وعلى رأسها جبهة الإنقاذ الوطني، ولا أحد ينكر ذلك، لا الدكتور المقريف، ولا صهد، ولا حتى يوسف شاكير، إن ما قدمه الأمير تركي بن عبدالعزيز، عندما كان مديراً للمخابرات السعودية من (وجبات) مالية للمعارضة ساعد على استمرارها. فهل أستطيع، بعد ذلك، أن أتهم المعارضة التي تتلقى قيماً مالية بالملايين من أجهزة مخابرات غربية أو أجنبية أنهم عملاء؟. الإجابة بالنسبة لي: «نعم» أنعتهم بذلك لأن المبدأ في الأساس، إن لم يكن وطنياً فهو على الأقل أخلاقي؟ والمخابرات -يا سيد منصور- أية مخابرات لا تقدم أموالها هكذا دون دراسة وشروط اتفاق وتحديد أبعاد الملعب واللعبة معاً!!.

من هو ضابط العملية المكلف من المخابرات؟. ومن هو المنسق المكلف من المعارضة يقودنا إلى حديث ذي شجون. وهذا موضوع حلقتنا المقبلة.