Atwasat

اختفاء وظهور المناضل منصور الكيخيا (1)

محمد المهدي الفرجاني الثلاثاء 29 مايو 2018, 02:01 مساء
محمد المهدي الفرجاني

لقد كنت دائما منحازا لهذا الرجل، وكنت أعتبره نموذجا ليبيا لرجل الدولة؛ لعلمه وثقافته والأهم حسه الوطني؛ فهو في الأساس من بيت أسرة تعج بالوطنيين، وتشهد بنغازي كلها على ذلك. ورأيت فيه الرجل السياسي، الذي تهمه قضية الوطن، فهو إنسان قومي ينتمي عقائديا إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان من المؤسيسين للحزب في ليبيا، كما كان منحازا في الدفاع عن المعارضين لنظام القذافي فقد ترافع عن بعضهم أمام محكمة الشعب والمحكمة العسكرية، وكان يحظى باحترام رجال القضاء والقانون.
عينه القذافي وكيلا لوزارة الخارجية، ثم وزيرا للخارجية ثم مندوبا دائما لليبيا في الأمم المتحدة، فكان نموذجا آخر يمثل العالم الثالث لكونه موظقا أمميا.

اختلف مع القذافي ونظامه وأصبح معارضا ليبيا من النوع الهاديء، الذي يعرف ما يريد، ويستطيع أن يعبر عن نفسه من خلال ثقافة حزبية وسياسية، وأي حزبي يلتزم في نهاية الأمر بخطه الحزبي حتى وإن كان يتعارض مع رؤيته الشخصية. لقد كنت ومازلت أرى أن من حق أي مواطن أن يعارض نظامه السياسي في وطنه، وأنا أختلف مع النظام السياسي القائم. ومن حقي أن أعبر عن معارضتي للنظام بالكيفية التي لا تمتد إلى حرية الآخرين في التعبير عن أنفسهم. أنا أعارض المطروح من النظام السياسي وليس المعارضة من أجل المعارضة.

منصور الكيخيا كان يعارض التفرد بالرأي والرؤية واختصار الوطن في شخص واحد دون سواه! كان يعارض تهميش المواطن وعدم تمكينه من التعبير عن نفسه والمشاركة في بناء وطنه. كان يعارض كبت الحريات وتقنينها، وجعل حرية المعارضة في نطاق المؤتمر الشعبي الأساسي؛ كان يعارض سلب المواطن حقه الدستوري، الذي يحدد حقوقه وواجباته، كان يعارض إلغاء الدستور تحت بند "القرآن شريعة المجتمع" فليبيا كانت بدون دستور منذ سنة 1977 أي من يوم إعلان قيام سلطة الشعب.

منصور كان يريد التداول السلمي للسطلة في ظل دستور، ودولة مؤسسات، وسيادة القانون، يريد عودة العسكر إلى ثكناتهم، والدعوة إلى انتخابات غامة، والاحتكام إلى صندوق الانتخابات، باختصار شديد كان يريد دولة مدنية بالمعني الدقيق لهذه الكلمة. في زمن القذافي تعددت التيارات المعارضة -إن كانت أصلا هناك معارضة حقيقية!- كانت كل مجموعة هاربة من ديون أو من تجنيد إجباري. كانوا من دون رؤية حزبية؛ فليس لكلهم رؤية وطنية وسياسية، وهذا ليس مجالنا والحديث عنه. كل من غادر البلاد، أعلن عن فصيل معارض، ثم أخذ يبحث عن دولة تحميه.. وتموله! منهم من التجأ إلى دولة أوربية، ومنهم من التجأ إلى أمريكا، ومنهم من التجأ إلى دول عربية، وبدأ حماس معارضتهم يخف في ظل بحبوحة معيشته الجديدة.

تواجد المعارضة بهذه الكيفية، شاءت أم أبت، ينتهي مسارها بالجلوس مع رجال مخابرات تلك الدول، للاتفاق مقابل الحماية والتمويل وهذا باختصار يجعلها تسجل في خانة العمالة، حتى وإن كان الهدف هو الخروج من أزمة الحكم في الوطن. هنا جاءت خطورة منصور الكيخيا على نظام القذافي، حتى وإن كانت الخطورة نظرية وليست عملية، لأن الداخل في ليبيا لم يكن أبدا لأي فصيل معارض، هكذا كانت دعوة منصور الكيخيا إلى توحيد المعارضة في الخارج في فصيل واحد تحت زعامة واحدة، وهذا ما جعل منصور يمثل الخطورة على نظام القذافي، الذي توصل إلى شراء الكثير من المعارضين، وأزعم أنني كنت في يوم من الأيام شاهدا على ذلك، وكنت أرى تقاريرهم اليومية في مكتب عبد السلام الزادمة.. وهذا موضوع آخر، سنتطرق إليه في حينه.

من هنا، كان على نظام القذافي وضع حد نهائي وجذري لنشاط منصور الكيخيا، المعارض، الهاديء ، الذي يؤمن بالحوار المتكامل والمتكافئ بينه وبين القذافي، ويكفيه أنه الوحيد من رجال المعارضة الليبية الذي أرسل له القذافي عدة أشخاص لإقناعه بالرجوع إلى أرض الوطن، ولكنه رفض ذلك ما لم تتحقق شروط - وهذا موضوع سنتناوله لاحقا-. رحم الله منصور رشيد الكيخيا، رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته، وسوف يكون، بعون الله، لكتاب معد من قبل ضابط سابق بجهاز المخابرات العامة الليبية، أو جهاز الأمن الخارجي.