Atwasat

إرهاب ما وراء الإسلام

نورالدين خليفة النمر الأحد 04 فبراير 2018, 01:56 مساء
نورالدين خليفة النمر

لفتني في خبر ساقه موقع بوابة الوسط مسمّى "الهيئة البنغازية" لوفد مثّل بدواعي عنف ملتبسة العوائل المهجّرة من بنغازي اجتمع مع رئيس المجلس الأعلى للدولة في مكتبه بطرابلس وهو ربما يكون عنصراً مُفسّراً في الكرونولوجيا الساردة قبل يومين من مجريات التفجير الإرهابي في 22 يناير 2018 الذي هزّ مدينة بنغازي وأسفر للتو عن 37 قتيلاً و87 جريحًا.

السؤال هل بمُستطاعنا اعتبار الاجتماع كقرينة عنصراً في سردية موازية لما أخبرت به التقارير الصحفية مضمّنين معرفتنا وخبرتنا الشخصية بمحطات التحوّل التسيُّسي في الديموغرافيا البنغازية وترتيباتها المجتمعية الفئاتية ولانقول الطبقية التي رصدناها شخصياً بحكم وجودنا الدراسي الجامعي الذي اكتنفته أحداث جسام من عام 1974 حتى عام 1978، ثم تابعنا بحكم وظيفتنا الإعلامية تداعيها على معاش الناس وردة أفعالهم العنفية على عنف النظام في حوادث أبرزها حادثة الأغتيال عام 1986 التي هزت النظام بأن طالت عضو اللجان الثورية المتنفذ في بنغازي الذي يعكس لقبه القبلي وبعض ألقاب الذين قتلوه والإسلامية التي شرعنوا بها عملية الاغتيال دلالة النزاع الأاقسامي البنغازي المتأجج اليوم.

يمكننا بناء السردية فيما ورد في الأخبار في هذه الصيغة: أن الجهادي التكفيري يقتل بالتفجير السلفي فيموت ربما معه الصوفي أو جار الجامع بصحبته طفله يصليان الصلاة ذاتها بل تطال العملية حتى صاحب مصطبة الخضار والفواكه المصري المهاجر غير القانوني الذي يمارس نشاط بيعه بدون تصريح أمام الجامع المنكوب. ولكن بناء السردية دون إعادة التنبه المتجدّد لما ارتبط بالتحول الديموغراقي المسيّس الذي ألمحنا إليه آنفاً من تبديل في صيغة الرمزيات الثقافية الليبية غير المقدور على تفكيك شفرتها المعلنة يجعل العجلة تدور في الحلقة المفرغة للسردية الأخبارية المعلنة منذ 2014 حتى اليوم.

عادة مايتوفر للمحقق، وهو بالطبيعة غير الكاتب، في الجريمة الجنائية معطيان: الدليل القاطع في الدعوي المؤكد صحة الواقعة ومثاله شاهد الرؤية في جريمة القتل فهو دليل قاطع علي المتهم لارتكابة الجريمة المبيّنة. أماالقرينة فهي التي تقوي هذا الدليل مثل تحريات المباحث في مكان الحدث لتقوية الدليل المادي في الدعوي ولا تنفع أن تكون دليلا بنفسها. فالقرينة غالباً ماتُعدُّ قضائياً من وسائل الإثبات غير المباشرة، كونها استنباط أمر مجهول من أمر معلوم بعملية استنتاج عقليه تتفق مع الخبرة الإنسانية والمنطق السليم.

الجهادي التكفيري يقتل بالتفجير السلفي فيموت ربما معه الصوفي أو جار الجامع بصحبته طفله يصليان الصلاة ذاتها

أشير في التصريحات شبه المسؤولة السياسية والأمنية إلى قرينة وقوع الجامع قرب مقر مصلحة الجوازات بمنطقة السلماني. أما القرينة التى تمّ تجاهلها ولم تعمّم في وسائل الأعلام وذكرها موقع بوابة إفريقيا الإخباريّة أشارت إلى أن الجامع يُعد معقلاً للجماعات السلفية التي قاتلت إلى جانب قوات مُسمى الجيش في مواجهة الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية، والذي يؤكد هذه الدّالة أصدار القائد العسكري لمُسمى الجيش أوامره إلى عناصره بضرورة ملاحقة المجرمين الذين وراء التفجير، مطالبا الجهات الأمنية بضرورة تقديم الجناة للعدالة.

لا يمكننا الكلام عن سياق قضائي يُدرج فيه النزوع العنفي الليبي ـ الليبي. فهو لايمكن رصده في نظام بسبب تفكك المؤسسة: الأمنية والقضائية في ليبيا التي عموما فككتها دكتاتورية الـ 42 عاماَ وبنغازي خصوصا التي بدأت بها الثورة، و الإرهاب معاً. إلا أن الذي أربك سردية التفسير الجاهزة هو ماحدث بعد أقل من 24 ساعة على انفجار السيارتين المفخختين أمام مسجد بيعة الرضوان، حيث قُدّم من أشتبه بأنهم جناة لم يتم التعريف بهم إلى عدالة الشارع. فيما يشبه رّدة الفعل الانتقامية التي أظهرتها صور على مواقع التواصل الاجتماعي تبرز آمر محاور القوات الخاصة بمُسمّى الجيش وهو يعدم10 معتقلين بلباس سجني موّحد اللون مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين بإطلاق الرصاص على رؤوسهم من مسافة قريبة. هذه القرينة الجديدة أكدّت قرينة سابقة تقاربها تُظهر المسلح ذاته ، الضابط المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة تنفيذ عدد من عمليات القتل المشابهة وهاتان القرينتان دُعمّتا بمواد إعلامية مبثوثة سابقاً منها كلمة موجّهة من قائد مُسمى الجيش لعناصره بأنه سيواجه ما أسماه بالإرهاب في بنغازي بالإمكانيات المتوّفرة حتى لو خالفت القواعد والاعتبارات القانونية. الأمر الذي أثار بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا معبرّة عن انزعاجها من عمليات الإعدام الانتقامية ووصفتها بالوحشية كونها تمّت دون محاكمة، ممايعزّز مطالبات محكمة الجنايات الدولية بمثول الجُناة الرسميين أمام قضائها.

في حدودها الدنيا بأيدينا كُكتاب محليين ـ وإن كُنا مكانيا بعيدين عنها ـ نتابع الأحداث بمنطق المواطنة وخبرة المعرفة فيما استقيناه عبر معاشنا في مجتمعات ليبرالية تتوخى الديمقراطية والموضوعية النافعة في تفسيرظواهر مجتمعياتها.

عكس السياقات الموضوعية تشتغل الذهنية الليبية إذ ألقيت مباشرة تبعة تفجير جامع الرضوان على إرهاب الأسلام . حيث لا أحد يجادل اليوم في التصاق الإسلام السياسي المُسمى بالإسلاموي بالعنف والأرهاب بكل تنظيماته حتى التي تنأى بنفسها صورياً عن الاشتغال بالسياسة بمعناها السائد في سياقنا العالمثالثي اليوم. والإرهاب الإسلاموي، بالشكل الذي حدّدناه، له طبيعة دولية عابرة للحدود وهو الذي لمساسه بالقانون الدولي وبمجتمعات مدنية وديمقراطية يطالها يحظي بالمتابعة والرصد وبالتشهير وبقليل من التحليل. أما طبيعته المحلية وتطوّرها وتشعّبها فهي تأتي أخباراً عبر وسائل الإعلام غير مُهتم بها معرفيا كونها غير قابلة للفهم وللتفسير.