Atwasat

الصراع داخل القارب

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 28 يناير 2018, 12:35 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

الخلافات والصراعات الإنسانية، سواء بين الأفراد أو على مستوى الجماعات أو في ما بين الشعوب، أمر معروف ومسلم بحقيقته الملموسة. إلا أن التوجهات البشرية ما انفكت تسعى إلى محاولة حلها سلميا.

وبعد الحرب العالمية الثانية، بالذات، سعى "المجتمع الدولي" إلى إنشاء مؤسسة عالمية (دولية)، هي منظمة هيئة الأمم المتحدة، كي يحاول من خلالها الحيلولة دون الحروب بين الدول، أو إيقاف ما يندلع منها، من خلال الاحتكام إلى ميثاقها الموقعة عليه الدول الأعضاء ومن خلال العهود والمواثيق الدولية الأخرى.

لقد وجد تصور يُشبِّه الأرض بقارب ركابه شعوب الأرض كافة، وبذا فإن أي صراع بين بعض ركاب هذا القارب أو كلهم من شأنه أن يؤدي إلى انقلابه وغرق الجميع، أو معظمهم. وبالتالي فإن الحكمة تقتضي السعي إلى حل الخلافات والنزاعات والصراعات سلميا حفاظا على حياة الجميع.

لا يمكن لطرف في الوطن الواحد المشترك أن ينفي وجود الأطراف الأخرى ويلغيها

هذه الصورة المجازية بسيطة وواضحة، ومعبرة. ويمكن تطبيقها على أوضاع المجتمعات والشعوب والدول منفردة بشأن ما ينشأ من تضارب مصالح بين مكوناتها العرقية والدينية والطبقية، حيث يكون الوطن هنا بمثابة القارب والمواطنون، على اختلافهم، ركابه. وللمحافظة على "حسن سير" القارب ينبغي توفر "حسن سلوك" راكبيه من خلال اللجوء إلى التعاطي مع تعارضاتهم تعاطيا عقلانيا حكيما ابتغاء مصلحة المجموع عبر تنمية المصلحة المشتركة أو العامة.

فأي مجتمع أو شعب يعيش داخل "قارب" معين، هو الوطن الواحد المشترك، لا يمكن لطرف من أطرافه، عرقيا كان أو دينيا أو طبيقيا، أن ينفي وجود الأطراف الأخرى ويلغيها، وإن قيض لهذا الطرف أن يفرض مصالحه وتوجهاته على الآخرين بالقوة ويسود عليهم داخل هذا القارب فلن ينعم بالسلام والطمأنينة، لأن عوامل الاحتقان واحتمال انفجار الصراع سيظل قائما معرضا هذا الحيز المشترك للخطر.

هذا الأمر ينطبق تماما على الحالة الليبية الجارية منذ أكثر من ست سنوات، بحيث يتولد الدليل الدامغ يوميا بأنه لا يمكن لأي طرف من الأطراف الاجتماعية المتصارعة (نقول "الأطراف الاجتماعية"، التي نُخرج منها "الجماعات التكفيرية") أن يفرض سلطانه على الأطراف الأخرى. وبذا فإن الحل الوحيد، الذي كان ينبغي تبنيه منذ البداية، هو الحل السياسي والتعايش ضمن دولة ديمقراطية.