Atwasat

الحزام المرصع بالخرز

محمد عقيلة العمامي الإثنين 22 يناير 2018, 11:53 صباحا
محمد عقيلة العمامي

"...المكتبة هي المعبد للحرية؛ فالتعليم حرر شعوبا أكثر مما حررت الحروب". "كارل روان"

"كارل روان" مراسل صحفي عمل بوزارة الخارجية الأمريكية وأصبح سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في فنلندا، ولكن عاد إلى الصحافة بعمود أسبوعي استمر فيه إلى وفاته يوم 22/ 9/ 2000. كان (كارل) قد كتب موضوعا عن كينيا، أقتبس منه قولا لـ (جمو كينياتا) قاله من بعد الإفراج عنه من سجنه ومنفاه، الذي قضى فيه سنوات من غير وجه حق قبيل استقلال كينيا: "ليس لدي نية للانتقام أو الرجوع إلى الوراء فنحن ماضون إلى الأمام لا نفكر في الماضي بل نتطلع إلى المستقبل، فهو الذي يعيش، أما الماضي فقد مات..".

كان (كينياتا)، التي تعني الحزام المرصع بالخرز، مسجونا عندما نالت كينيا استقلالها، غير أن الحزب الذي فاز في الانتخابات رفض استلام السلطة مادام كينياتا في السجن. أفرج عنه في أغسطس 1963 وفي 12 ديسمبر من العام نفسه أصبح رئيسا للوزراء وفي التاريخ نفسه من السنة التالية أصبح رئيسا لكينيا حتى وفاته 1978.

زعيم الموت والظلام
عندما تولى السلطة عمل على تحقيق هدف محدد وهو التسامح ونسيان الماضي، خير الإنجليز الذين استعمروا بلاده ما بين الرحيل أو ارتباطهم بكينيا بجنسيتها، واختار كثيرون البقاء بجنسيتهم الكينية، وزال الخوف منه، كانوا يسمونه قبل الاستقلال: "زعيم الموت والظلام" أما بعد استقرار البلاد كانت الخشية أن يتغير الحال خصوصا من بعد أن بلغ الخامسة والسبعين، حينها قال أحد رجال الأعمال الأوربيين: "لو حدث أمر لكينياتا سوف أغادر سريعا". ولكن البلاد استقرت على الرغم من تعدد أعراقها وقبائلها. كان الاستقرار أهم إنجازات كينياتا، والاستقرار بالطبع هو القاعدة التي تزدهر عليها البلاد. لقد أصبحت كينيا مثلا لدولة قام مجتمعها متعدد العناصر على مبدأ أساسه الاحترام المتبادل والمساواة في المعاملة بين الأعراق كافة.

سياسة كينياتا أساسها خطاب قال فيه: "أن الانتقام حلقة مفرغة تؤدي إلى نزاع دائم الاتساع، في حين أن الصفح يفتح الأبواب للتقدم والأفكار الجديدة، ماذا يمكن أن تفيده وتستفيده كينيا من الانتقام؟ كينيا تحتاج إلى المدارس والكليات لنستطيع أن نعلم أطفالنا في بلادنا بدلا من إرسالهم إلى الخارج. إن ما تحتاج إليه كينيا، هو زراعة أفضل، ومشروعات ري لفتح المزيد من الأراضي..".

كينياتا لم يسمح لقوى أجنبية بأن تتغلغل في بلاده، لا الغربية ولا الشيوعية ولا الصينية. ثار على كل من مد يده لأموال أجنبية وفضحهم على الملأ أمام رؤوس الاشهاد

لم يسمح لقوى أجنبية بأن تتغلغل في بلاده، لا الغربية ولا الشيوعية ولا الصينية. ثار على كل من مد يده لأموال أجنبية وفضحهم على الملأ أمام رؤوس الاشهاد. (كاجيا) كان أحد النواب من قبيلته، وكان من رفقائه في السجن، وكان شديد الانتقاد للحكومة، ويعتبره الكثيرون أخطر اليسارين، بتحريضه للشعب على المطالبة ببلاد حرة. وأمام جمهور ضخم مأخوذ بسحر خطاب كينياتا في تلك المناسبة، تحول الزعيم فجأة نحو ( كاجيا) الذي كان يجلس على المنصة بجانب الوزير (بول نجلي) وزير التسويق والجمعيات التعاونية، وقال بصوت هادر: "كاجيا.. إنك تدعو إلى الحرية، فهل تذكر يوم كنا معا في السجن ومعنا (بول نجلي)؟ لو أنك ذهبت الآن إلى بيت (نجلي) لرأيت أنه غرس الكثير من أشجار البن والحاصلات الأخرى. فماذا فعلت أنت لنفسك؟ لقد كنا معا، ومعنا (كونجو كارومبا) في السجن وهو الآن يدير خطوط أتوبيسات يمتلكها؟ فماذا فعلت أنت؟" واستدار نحو الجمهور المغتبط، واسترسل: "لقد أعطيت ( كاجيا) وظيفة طيبة في الحكومة، ولكنه لا يريد أن يعمل. كل ما يفعله الخمول والضجيج بالشكوى، ولهذا فصلته".

وفي مناسبة أخرى، وكان قد انتبه إلى دسائس خارجية فقال: "من الطبيعي أن نكره الاستعمار الغربي، وأن نربط بين الإمبريالية والغرب، ولكن من السذاجة أن نظن أنه ليس هناك خطر من إمبريالية الشرق؛ فالشيوعية بالنسبة لنا شر كالاستعمار. وكل ما نريده هو قومية كينية..".

ليبيا تحتاج إلى رجل - بسوار ذهب- وحزام مرصع بالخرز. وناخبين يعرفون أسورة الذهب والأحزمة المرصعة. وقناعة بأن بلادنا لا تحتاج، مطلقا، لكلمة الانتقام، ولا لتفسيراتها في القواميس كافة.